« أم تي آي نيوز »تقرير/السميفع
كيف تحوّل المليشيا الحوثية الطفل اليمني إلى جندي؟
من الدورة الصيفية إلى الجبهة: آلة تجنيد منهجية تُدار من داخل المدارس
لا يشبه ما يجري في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية تجنيداً عارضاً أو رد فعل على ظروف الحرب. التقرير الأخير لفريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن يكشف عن نظام متكامل يبدأ في المدارس والمراكز الصيفية ويصل إلى جبهات القتال مستهدفاً أطفالاً بعضهم لم يتجاوز العاشرة من عمره. بين يونيو وأغسطس 2024 وثّق الفريق 214 حالة جديدة، لكن الأرقام الرسمية لا تروي سوى جزء من القصة؛ فالمليشيا لا تكتفي بحشد القصر بل تصوغ منهم جنوداً مطيعين عبر آليات تبدأ بالغسل العقائدي وتنتهي بالمخدرات.
تستغل المليشيا مؤسسات التعليم التي تسيطر عليها لتكون المحطة الأولى في مسار التحويل القسري. ما يُقدّم على أنه دورة صيفية أو نشاط تربوي يتحول في واقع الحال إلى برنامج فكري مكثف يستمر أربعين يوماً، يعلّم الطفل أن ولاءه الأعلى ليس لوطنه أو عائلته، بل لقيادة المليشيا وخطها العقائدي. بعد هذه المرحلة، يُنقل من يبلغون 15 عاماً فأكثر إلى معسكرات تدريب عسكري تستمر ستة أسابيع، ليُدفعوا لاحقاً إلى مهام قتالية أو خطرة مثل زرع الألغام أو نقل الذخائر. كل مرحلة محسوبة، وكل تفاصيلها مصممة لقطع أي صلة بين الطفل وطفولته.
ولا يعتمد النظام على الإقناع وحده، بل على الإكراه المعيشي. العائلات التي ترفض التعاون تجد نفسها خارج شبكة المساعدات الإنسانية، محرومة من غاز الطهي أو سلال الغذاء في مجتمع يعاني من شح قاس في الموارد. وتلعب عناصر نسائية تابعة للمليشيا تعرف بالزينبيات دور الوسيط القسري، حيث تقدّم وعوداً بالدعم المالي أو الفرص التعليمية كطعم لجذب الأمهات المنهكات. في هذا المناخ، يصبح التجنيد خياراً إجبارياً أكثر مما هو تطوع.
وثّق الفريق أيضاً استخدام مواد مخدرة مع الأطفال المجندين، ليس كاستثناء، بل كأداة ممنهجة لضمان الطاعة المطلقة. هذه الممارسة، المقترنة بحجم الأرقام — نحو 56 ألف طفل في ثماني دفعات تدريبية وحدها — تشير إلى أن الظاهرة ليست هامشية، بل جوهرية في استراتيجية المليشيا للبقاء والتوسع. ويشير الفريق إلى أن الرقم الموثق رسمياً لا يعكس سوى جزء صغير من الواقع، في ظل صعوبة الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وغياب آليات الرصد المستقلة.
وراء الرقم والحدث هناك دافعان متداخلان: الحاجة المعيشية التي تدفع بعض الأسر إلى الصمت، وخطاب تعبئة أيديولوجي يقدس الموت في سبيل الجماعة ويجسّد الطفل كأداة حرب. ويخلص فريق الخبراء إلى أن هذا المزيج يجعل من الصعب مواجهة الظاهرة بوسائل إنسانية تقليدية، إذ لا يكفي توفير السلال الغذائية لوقف التجنيد طالما أن البنية الفكرية التي تشرعن استغلال القصر لا تزال سائدة وفاعلة.
مجتمع يُبنى على السلاح
الخطر لا يقتصر على الأطفال أنفسهم، بل يمتد إلى النسيج المجتمعي بأكمله. فبينما تزرع المليشيا ولاءً مسلحاً في أدمغة الجيل الجديد، تضعف أي إمكانية لاستقرار حقيقي أو تسوية سياسية مستقبلية. فكيف يُطلب من طفل درّب على أن الموت في المعركة هو أعلى درجات الكرامة أن يشارك لاحقاً في بناء مجتمع مدني؟ وكيف يُفترض بمجتمع أن يتعافى بينما جيله الناشئ يُغذى على الكراهية والطاعة العمياء؟
ويحذر فريق خبراء مجلس الأمن من أن التجنيد المنهجي للأطفال في اليمن لم يعد انتهاكاً إنسانياً فحسب، بل يشكل مشروعاً طويل الأمد لترسيخ الحرب كهوية جيلية. ومن دون مساءلة حقيقية — قانونية وسياسية — فإن كل محاولة لوقف النار ستظل هشة، لأن الجيل القادم لن يعرف سوى لغة السلاح.

