الإثنين, أكتوبر 27, 2025
الرئيسيةتقاريرالمورد الكبير يربح والمحال الصغيرة تُغلق أبوابها ..تحسن الريال اليمني.. تراجع وهمي...

المورد الكبير يربح والمحال الصغيرة تُغلق أبوابها ..تحسن الريال اليمني.. تراجع وهمي يكشف خللًا عميقًا في إدارة الملف الاقتصادي

« أم تي آي نيوز » تقرير واستطلاع : أنس بن عوض

يبدو اليوم المشهد الاقتصادي في المحافظات (المحررة) وكأنه يسير على خطين متوازيين لا يلتقيان: بيانات حكومية مبشرة وخطاب إعلامي متفائل ومتخبط يتحدث عن تحسن سعر صرف الريال اليمني، يقابلها واقع تجاري صعب يعاني فيه المواطن والتاجر من تدهور القدرة الشرائية وركود السوق، فمنذ إعلان الحكومة اليمنية تحسن سعر صرف الريال اليمني أمام الريال السعودي من 750 إلى 425، سادت موجة من التفاؤل المؤقت، لكن سرعان ما تبيّن بوضوح – وفقًا لمؤشرات السوق وآراء التجار – أن التحسن لم يكن سوى تحسنٍ وهمي على الورق، بينما ظل الواقع يعكس أزمة متصاعدة في الأسعار والمعيشة.

انخفاض الصرف.. ولكن أين الانخفاض في الأسعار؟

ويشير عدد من تجار المحلات الصغيرة والمتوسطة في عدن إلى أن التحسن المفاجئ في سعر الصرف لم يترجم إلى انخفاضٍ حقيقي في أسعار السلع، فعلى الرغم من تراجع العملة الأجنبية بنسبة تقارب 44%، إلا أن معظم المواد ما زالت تُباع بتخفيضات هامشية لا تصل للنسبة المطلوبة

ويقول أحد المواطنين – مالك بقالة صغيرة في المنصورة – “الوزارة تطالبنا بخفض الأسعار فورًا، لكن كبار الموردين لم يخفضوا أسعارهم بالشكل المطلوب، ونحن لا نستطيع البيع بخسارة، ومع ذلك تم اجبارنا على البيع بخسارة وبهوامش ربح لا تتناسب مع الصرفيات والجبايات والضرائب وارتفاع رسوم الكهرباء لـ100% و الحملات تستهدفنا نحن فقط، بينما التاجر الكبير لا يُمسّ”.

ويعكس هذا التناقض فجوة الرقابة الحكومية وغياب التنسيق بين البنك المركزي والجهات التجارية، إذ يتم الإعلان عن تحسن سعر العملة دون وجود آليات حقيقية لضبط السوق أو حماية المستهلك وحماية ملاك المشاريع الصغيرة والمتوسطة .

حملات رقابية.. على الحلقة الأضعف

ومنذ الأيام الأولى لهبوط سعر الصرف، شنت وزارة الصناعة والتجارة سلسلة من الحملات الرقابية المفاجئة في عدد من المديريات، أبرزها المنصورة، استهدفت فيها المحلات الصغيرة والبقالات والمتاجر الشعبية، في محاولة لإجبارها على البيع بأسعار منخفضة. و ما بدا كإجراء رقابي لصالح المواطن، تحوّل إلى عبءٍ جديد على صغار التجار.

فوفقًا لفواتير شراء اطلعنا عليها، فإن كثيرًا من أصحاب المحلات اضطروا للبيع بهوامش ربح أدت بهم للخسارة لانها لا تغطي تكلفة النقل والضرائب والإيجارات والعمال.

ويؤكد بعضهم أن الوزارة لم تركز بالشكل المطلوب مع كبار الموردين والمستوردين الذين يتحكمون في تحديد الأسعار من المنبع، مكتفية بالضغط على التاجر الصغير الذي يمثل الحلقة الأضعف في سلسلة السوق.

الإنجاز الوحيد.. إغلاق المحلات

وكما يبدو واضحًا حسب الاطلاع على اراء المواطنين والتجار أن التركيز الحكومي على إغلاق المحلات المخالفة يعكس عجزًا عن معالجة جوهر الأزمة، فالإغلاق لا يحل مشكلة ارتفاع الأسعار ، بل يقلص النشاط التجاري ويؤدي إلى فقدان الوظائف وخلق حالة من الركود الاقتصادي، في وقت تحتاج فيه الأسواق إلى استقرار وثقة.

ويقول أحد المتابعين للمشهد “الوزارة تتفاخر بإغلاق المحلات الصغيرة وتغريمها بمبالغ مالية وكأنها حققت إنجازًا . لكن السؤال: ماذا عن المستوردين الكبار؟ من يراقب أسعارهم؟ ومن يحاسب من يرفض تخفيض الأسعار للنسبة المطلوبة رغم هبوط الصرف؟” داعين الوزارة لتعديل سياستها والايضاح للرأي العام نتيجة استعداد الكثير من المواطنين مالكي المشاريع الصغيرة والبقالات لاغلاق محلاتهم في حالة استمرار خسائرهم

تحسن رقمي.. وتأثير نفسي سلبي

تصف مصادر اقتصادية هذا التحسن بأنه تحسن رقمي نفسي لا أكثر، فالتجار والمستهلكون يدركون أن السعر الرسمي لا يعكس السعر الحقيقي في السوق، مما أدى إلى ارتباك في حركة البيع والشراء، وتراجع في الاستثمار داخل الأسواق حيث أفاد عدد المواطنين عن تراجعهم عن الاستثمار في الفترة الحالية نتيجة عدم توفر أي تسهيلات للاستثمار بأموالهم جراء التحركات المتخبطة للصناعة والتجارة .

ويشير خبراء إلى أن مثل هذه الإجراءات تُفقد الثقة في السياسة النقدية وتضعف العلاقة بين الحكومة والتجار، خصوصًا عندما تُدار الأزمة بقرارات آنية غير مدروسة، وبقرارات هشة تتأثر بالضغط الاعلامي دون توفير بيئة اقتصادية مستقرة.

الشيخ عثمان.. نموذج لتدخل محلي فعّال

ووسط هذا الاضطراب، برز دور مدير عام مديرية الشيخ عثمان، الدكتور وسام معاوية، الذي بذل جهودًا ميدانية لفرض رقابة متوازنة، شملت حملات ضد الاستغلال التجاري ومحاولات للضغط على الموردين الكبار.

وقد أشاد التجار والمواطنين بهذه الجهود التي وُصفت بأنها الأكثر توازنًا وإنصافًا مقارنة بما حدث في بقية المديريات.

إلا أن تلك الجهود – بحسب مراقبين – تبقى محدودة في غياب دعم حكومي مركزي وخطط اقتصادية موحدة، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى مبادرات محلية غير قادرة على معالجة جذور الأزمة.

اقتصاد السوق.. بين العرض والطلب

يعتمد الاقتصاد أن مبدأ السوق يعتمد على العرض والطلب، وأن فرض تسعيرة موحدة لم يتم دراستها بالشكل المطلوب المتزامن مع نسبة هبوط الصرف ، وفرضها بشكل قسري يناقض أساسيات الاقتصاد الحر، ويؤدي إلى نتائج عكسية أبرزها نقص السلع وإفلاس التجار الصغار وتخبط السوق وهو الحاصل حاليًا.

وسط مخاوف أن هذه السياسة ستدخل البلد في موجة فقر جديدة إذا استمر الضغط على التجار دون رقابة حقيقية على الموردين والمصانع الكبرى، وإلى ضرورة تحقيق توازن بين الرقابة والسوق .

خلف الأرقام.. معاناة المواطن

ووراء كل محل مغلق في شوارع عدن، هناك قصة معاناة لمواطن فقد مصدر رزقه، أو لأسرة اضطرت إلى تقليص احتياجاتها اليومية بسبب ارتفاع الأسعار وسط غياب الحلول الحقيقية .

ففي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن تحسن في المؤشرات المالية، يواجه المواطن أصعب أزمة معيشية منذ سنوات: الرواتب متوقفة، الأسعار مرتفعة، وحملات الرقابة تستهدف من لا حول له ولا قوة.

خاتمة.. بين الوهم والحقيقة

أخيرًا، فقد كشف التحسن المفترض في سعر الريال اليمني بوضوح عجز إدارة الملف الاقتصادي، وأظهر أن الحلول المؤقتة لا تُصلح اختلالات مزمنة، وأن جهود السلطات المحلية ووزارة الصناعة والتجارة محل تقدير ولكنها تحتاج للمراجعة وفق افادات رصدناها لعدد كبير من للمحلات الصغيرة والمتوسطة . فما لم تُربط السياسات النقدية بخطط تجارية وسوقية واضحة، وتُفعّل الرقابة على كبار التجار والموردين بشكل أساسي، ستظل الأزمات تتكرر بأسماء مختلفة، ويبقى المواطن الخاسر الأكبر بين وعود التحسن وواقع الغلاء.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات