« أم تي آي » متابعات
تُظهر الضربة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماع كبار قادة الحوثيين في صنعاء عمق التأثير على الجماعة، ودفعها إلى مرحلة من الانكفاء الداخلي، مع حملات قمع واسعة وملاحقة مشتبه بهم بالتعاون مع الخارج، وتبني إجراءات أمنية صارمة.
ويكشف تحليل لصحيفة Daily Sabah التركية عن طبيعة التحولات في صنعاء بعد الضربة، ويبرز استراتيجيات الحوثيين الداخلية والخارجية في مواجهة هذا الهزّ الأمني.
ضرب القيادة
وفق الصحيفة التركية، فإن الضربة الإسرائيلية صُممت لاستهداف اجتماع كبار قادة الحوثيين، بهدف إجبار الحركة على الانكفاء على نفسها، بعيدًا عن العمليات الخارجية، وتبني موقف أمني مشدد.
تشير ردود فعل الحوثيين الفورية — جنازات جماعية، ومزاعم انتقامية، واعتقالات لموظفي الأمم المتحدة، وكلمات رثاء تُعلي من شأن “الأمن الداخلي” — إلى نجاح هذه الحيلة: تماسك القيادة مُهدد، وجنون العظمة يتزايد، والحوكمة تزداد جبرية. من المرجح أن تُشكل هذه الديناميكيات المرحلة التالية من الصراع أكثر من أي عملية إطلاق منفردة.
اغتالت إسرائيل رئيس الوزراء الحوثي أحمد غالب الرهوي وعددًا من الوزراء خلال اجتماع رفيع المستوى في العاصمة صنعاء، وزعمت وسائل إعلام إسرائيلية أن شخصيات عسكرية رفيعة المستوى ربما كانت حاضرة أيضًا.
وتتساءل أصوات يمنية على الإنترنت عن كيفية اختراق إسرائيل لدائرة قيادة الحوثيين؛ ويرى العديدون أن الضربة جاءت نتيجة تجنيد استخباراتي، وسيطرة على التكنولوجيا، ورسم خرائط لسلسلة التوريد.
وأعلن المتحدث العسكري الحوثي عن هجمات واسعة النطاق وبعيدة المدى على أهداف إسرائيلية والبحر الأحمر عقب الاغتيالات، لكن إسرائيل لم تؤكد الأثر الفعلي للهجمات التي أعلن الحوثيون عن مسؤوليتهم عنها.
كانت حملة الحوثيين لملاحقة “الخونة” إحدى القضايا اللافتة. ففي خطابه عقب الاغتيالات، صعّد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي من حدة المعركة الأمنية، محاولًا على الأرجح حشد الولاءات القبلية، بهدف تشديد الخناق على الجبهة الداخلية.
بعد ذلك بوقت قصير، احتجزت السلطات في صنعاء موظفي الأمم المتحدة وداهمت مكاتب الإغاثة، متهمةً إياهم بالتجسس المرتبط بالضربة، وممارسة الضغط على خصوم سياسيين محليين مثل حزب المؤتمر الشعبي العام.
في غضون ذلك، توعدت وسائل الإعلام الإيرانية والحرس الثوري الإسلامي الإيراني بردٍّ عنيف، ووصفت الضربة بأنها تصعيد إقليمي. في خضم هذه الظروف المضطربة، التقى مبعوث الأمم المتحدة هانز جروندبرج بمفاوض الحوثيين في مسقط، مطالبًا بالإفراج عن المعتقلين، ومحذرًا من المخاطر الإنسانية، وداعيًا إلى ضبط النفس.
قطع الرأس من أجل الاضطراب
من المرجح أن ضربات إسرائيل التدميرية ضد الحوثيين كانت تهدف إلى تعطيل حكومة الحوثيين بدلاً من التسبب في انهيارها الفوري، وفق التقرير الذي رأى أن استهداف الوزراء، وربما قادة العمليات، في اجتماع واحد، يُضاعف الصدمة لهياكل القيادة والسيطرة. وحتى لو بقيت سلسلة القيادة سليمة، فيجب إعادة بناء الجداول الزمنية والأماكن وإجراءات التنسيق لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بفعالية.
يشير اختيار فيلا سكنية، بدلاً من منشأة محصنة، للاجتماع إلى أن الإجراءات الوقائية أصبحت متوقعة. ومن خلال خلق انطباع بالاختراق العميق، تدفع إسرائيل الحوثيين إلى الداخل، مما يؤدي إلى عمليات تطهير وجهود مكافحة التجسس والسيطرة على مستوى الأحياء، مما يُهدر الوقت والمال والكوادر الماهرة بعيدًا عن العمليات الخارجية.
وصعّد الحوثيون الجبهة الداخلية علنًا، بينما سارعت صنعاء إلى مهاجمة موظفي الأمم المتحدة ومنافسيها، واستولت على بيانات وصوّرتها بلغة التجسس. هذا رد فعل من جانب النظام لحماية نفسه، ويُشير إلى القاعدة الشعبية بأن “الولاء فوق كل اعتبار”.
في أعقاب الاغتيالات، ردّت حركة الحوثيين بمزاعم بارزة ضد إسرائيل. عند هذه النقطة، لا ينفي غياب التأكيد الإسرائيلي وجود مسرحية ردع، لكنه يُضعف المصداقية، ويشير إلى ميل نحو الإشارات الرمزية بدلًا من النتائج المؤكدة.
تصف مصادر محلية في اليمن حالة من الارتباك والقلق في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إذ أن ضعف اجتماع على مستوى مجلس الوزراء جعل كل موكب وكل مجمع سكني وحيّ يشعر بالانكشاف.
وهذا يُغيّر وتيرة ومكان وأسماء لقاءات كبار الشخصيات. في هذه المرحلة، يُحوّل احتجاز موظفي الأمم المتحدة ومداهمة مكاتب المساعدات الوصول إلى البيانات إلى سلاح، سواءً للبحث عن التسريبات المشتبه بها أو لإعادة تأكيد السيادة في صنعاء. تحذير الأمم المتحدة من انقطاع المساعدات جدير بالثقة؛ وهذا سيزيد من الخسائر المدنية ويُقلّص التعاطف الخارجي مع انكشاف الجماعة.
الخوف يشعل المرونة
من المتوقع أن يُبقي زعيم الحوثيين الضغط الخارجي قائمًا مع إعطاء الأولوية لمكافحة التجسس والانضباط في الداخل. ومن المرجح أن يشمل ذلك طقوسًا للولاء، مثل تعهدات “الشرف” القبلية، وخطابًا أكثر تشددًا، وعقوبات عامة انتقائية تهدف إلى إعادة بناء الردع الداخلي.
سيحافظ رئيس الوزراء الحوثي بالوكالة، محمد مفتاح، على الاستمرارية الإدارية، لكنه سيتجه نحو نهج أكثر صرامة. ومن المرجح أن يُصدر قرارات تُعزز التنسيق بين الوزارات والأجهزة الأمنية، ويُدخل تدابير جديدة للإيرادات لتمويل زيادة الأمن، ويُسرّع من وتيرة تدوير الموظفين لسد أي تسريبات مُحتملة.
من المرجح أن تُفضّل القيادة العسكرية وتيرة العمليات على نطاقها في العمليات البحرية وبعيدة المدى، مُعلنةً عن مسؤولياتها بوتيرة أكبر، ومُنفّذةً هجمات انتقائية وملموسة على السفن، ومُحاولةً شنّ ضربات انتهازية على إسرائيل.
في الوقت نفسه، تُعيد القيادة تعلّم أساليب الحماية من خلال اجتماعات مُصغّرة، وانضباط حركة أكثر صرامة، وتحسين الأمن الإلكتروني.ستُجري الأجهزة الأمنية حملات تفتيش واسعة، وتُعتقل موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وتُستغلّ بيانات الأجهزة المُصادرة، وتُفرض ضوابط حركة أكثر صرامة في صنعاء. يُتيح هذا النهج وقتًا لإعادة بناء البنية السرية، ولكنه يُقوّض العقد الاجتماعي.
مؤشرات التحولات المقبلة
على المدى القريب، من المرجح أن تشتد حدة التوتر الأمني الداخلي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ستشهد المنطقة مزيدًا من الاعتقالات والمداهمات، ورسائل الولاء القوية، والمراقبة المكثفة، مما يضيق المساحة المدنية ويبطئ الخدمات اللوجستية الإنسانية. هذا يخلق مرونة من خلال الخوف، ولكنه يأتي على حساب الشرعية.
وبحسب الصحيفة التركية فإن هناك عدة مؤشرات ستساعد في اختبار هذه الحجة:
إداريًا: سيكون للرسمية السريعة لسيطرة مفتاح على مجلس الوزراء، والتعديلات الوزارية غير العادية، ومراسيم التنسيق الأمني الجديدة دلالات.
أمنيًا: ستؤكد محاكمات التجسس المرئية أو الاعترافات المتلفزة، وزيادة نقاط التفتيش، وقيود السفر في صنعاء، وتوسيع المراقبة التكنولوجية هذا التوجه.
عمليًا: من المرجح أن يكون تركيز الهجمات البحرية حول تواريخ رمزية، مثل الجنازات أو أحداث غزة، والتغييرات في أنواع الصواريخ أو الطائرات المسيرة ومسارات رحلاتها، مؤشرات رئيسية.
دبلوماسية وإنسانية: ستكشف نتائج محادثات مسقط، والإفراج المحتمل عن موظفي الأمم المتحدة، ووقف الغارات، والتباطؤ الملحوظ في تدفقات المساعدات، إلى أي مدى وصل هذا التحول الأمني.
واعتبرت الصحيفة أن الضربة الإسرائيلية لم تكن مجرد عملية اغتيال عابرة، بل شكلت نقطة تحول استراتيجية للحوثيين. إذ دفعت الحركة إلى الانكفاء، تعزيز الرقابة، فرض الجبرية الداخلية، وملاحقة موظفي الأمم المتحدة والخصوم السياسيين، في حين تواصل الهجمات الرمزية الخارجية على إسرائيل.
وخلصت إلى أن هذه المرحلة تمثل صراعًا استخباراتيًا طويل الأمد، حيث يوازن الحوثيون بين السيطرة الداخلية ومواصلة الضغوط الخارجية، على حساب الشرعية والخدمات المدنية، مع خلق مرونة من خلال الخوف والانضباط الصارم.
