« أم تي آي نيوز » كتب : وضاح بن عطية
يُعد الرئيس الأمريكي السابع والأربعون، دونالد ترامب، شخصية مثيرة للجدل، يتمتع بقدرة عالية على اتخاذ القرار تُمكّنه من كسر النمط التقليدي في السياسة. ورغم ما يبدو عليه أحيانًا من فوضوية في تصريحاته، فإن تحركاته غالبًا ما تقف خلفها جهات نافذة تعمل على قياس ردود الأفعال وجس نبض الرأي العام.
يسعى ترامب إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية على العالم، لكن بأساليب مختلفة تركز على الصفقات المباشرة والضغط الاقتصادي، بدلاً من التدخلات العسكرية الواسعة. ومن هذا المنطلق، يُطرح التساؤل: هل يمكن أن تؤهله تحركاته ونهجه المختلف في إدارة الملفات الدولية للحصول على جائزة نوبل للسلام، رغم الجدل الكبير المحيط بشخصه؟.
لا يؤمن ترامب بسياسة الحوار المفتوح في الصراعات، بل يفضل معالجة جذور الأزمات بقرارات حاسمة. فالحوارات الشكلية، كما حدث في اليمن مطلع العقد الماضي، تجاهلت جوهر الصراع المتمثل في حرب 1994 واحتلال الجنوب، وجرى إدراج القضية الجنوبية ضمن قضايا هامشية كالثأر وزواج القاصرات. هذا التمييع أدى إلى فراغ سياسي استغلته مليشيا الحوثي للسيطرة على البلاد، وتسليمها فعليًا إلى إيران على طبق من ذهب.
أظهر ترامب ميلاً إلى تبني سياسة خارجية قائمة على مبدأ “الصفقة الكبرى”، بعيدًا عن الحروب الممتدة. وقد تجلى ذلك في محاولاته للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، وبين الهند وباكستان. ورغم أن تلك الجهود لم تثمر نتائج ملموسة، إلا أنها عكست توجهاً لكسر الجمود التقليدي في السياسة الدولية، واللجوء إلى أدوات ضغط مبتكرة لتحقيق توازن جديد. ومن المرجح، بعد زيارته الحالية إلى السعودية، أن يوسّع من هذا الدور عبر محاولة هندسة ترتيبات أمنية جديدة في الشرق الأوسط، تستهدف تفكيك بؤر التوتر التي تغذيها طهران وتل أبيب.
في هذا السياق، قد يرى ترامب – وفقاً لعقيدته السياسية – أن توجيه ضربة حاسمة للمشروع النووي الإيراني، والسعي لتغيير النظام في طهران، يمثلان خطوة ضرورية لتفكيك نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ومن شأن هذا التوجه أن يُمهّد لاستقرار طويل الأمد في المنطقة.
إلا أن هذا الاستقرار سيظل ناقصًا ما لم يُعالج جوهر الصراع العربي–الإسرائيلي. وهنا تبرز معضلة ترامب الكبرى: هل يملك الرغبة والقدرة على الضغط على إسرائيل للامتثال لقرارات مجلس الأمن، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقًا لمبادرة السلام العربية؟ إذا تحقق ذلك، فقد ينجح ترامب في إحداث نقلة نوعية في بنية الأمن الإقليمي، ما قد يجعله مرشحًا فعليًا لجائزة نوبل للسلام، رغم كل ما يرافقه من جدل داخلي وخارجي.
ويمضي ترامب بعقلية براغماتية، يسعى من خلالها إلى تقديم تنازلات محسوبة للقوى الصاعدة، للحفاظ على جزء من الهيمنة الأمريكية بدلاً من انتظار السقوط الكامل، خاصة في ظل صعود الصين، الذي يُعد التهديد الأبرز وفق خمس نظريات كبرى:
1. تحول القوة: احتمال صدام عند اقتراب الصين من مستوى القوة الأمريكية.
2. صراع القوى العظمى: تنافس شامل على النفوذ والاقتصاد والتكنولوجيا.
3. الواقعية الهجومية: تسعى الصين لإخراج أمريكا من آسيا وإفريقيا.
4. التعددية القطبية: تراجع الهيمنة الأمريكية أمام صعود قوى جديدة.
5. أفول النظام الليبرالي: صعود النموذج الصيني كبديل للنموذج الغربي.
