الأربعاء, أبريل 16, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابالحكم الذاتي لحضرموت .. بين غموض المفهوم وإشكاليات الواقع

الحكم الذاتي لحضرموت .. بين غموض المفهوم وإشكاليات الواقع

« أم تي آي نيوز » كتب : المحامي صلاح ثوبان

إن القرارات والمواقف التي تُتخذ دون دراسة متأنية، ودون فهم شامل للوقائع المحيطة بها وأسبابها، غالبًا ما تؤدي إلى نتائج لا تخدم الأهداف المرجوة منها. إذ إن الجهل أو التجاهل لما يترتب على هذه القرارات، سيُفضي حتمًا إلى بروز معوقات تُفشل تنفيذها على أرض الواقع.
وقد دفعتني إلى تناول هذا الموضوع، تساؤلات ظلت تُراودني دون أن أجد لها جوابًا شافيًا، وذلك عقب قراءتي لما ورد في بيان إعلان لقاء حضرموت التاريخي الصادر عن اللقاء الموسع لشيوخ ومقادمة ومناصب القبائل، والشخصيات الاجتماعية، وممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني – الهضبة – بتاريخ 12 أبريل 2025.
تحديدًا ما ورد في الفقرة الأولى من المخرجات، حول “ضرورة تحقيق الحكم الذاتي كأدنى استحقاق لحضرموت”.
ولفهم هذا الطرح، لا بد من الوقوف على عدد من النقاط الجوهرية:-

أولًا: ما هو شكل الدولة التي ترتبط بها حضرموت اليوم؟ هل هي دولة مركزية بسيطة، أم دولة مركبة (فيدرالية أو كونفدرالية)؟
هذا السؤال جوهري، لأن توصيف الحكم الذاتي يختلف باختلاف شكل الدولة. البيان جاء مبهمًا، ولم يُحدد مع أي شكل من الدولة سيكون هذا الحكم الذاتي. ورغم تفهمنا لهذا الغموض، إلا أن البيان ذاته، وفي الفقرة الثانية، طالب المجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية بالتسريع في خطوات تنفيذ الحكم الذاتي لحضرموت.

ثانيًا : الفرق بين الحكم الذاتي والإدارة الذاتية

ثمة فرق جوهري بين المصطلحين.
الحكم الذاتي: يتصل باللامركزية السياسية، ويشمل سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، تُمكن الإقليم من إدارة شؤونه الداخلية، مع احتفاظ المركز بالسيادة على مسائل محددة كالأمن القومي، العلاقات الخارجية، العملة، الجنسية، والضرائب السيادية.
الإدارة الذاتية: تنبثق من اللامركزية الإدارية، وهي أضيق نطاقًا وأقل سلطة.
وبالتالي، فإن الحديث عن “حكم ذاتي” في ظل دولة مركزية، يختلف كليًا عن المفهوم الحقيقي المتعارف عليه دوليًا للحكم الذاتي.

ثالثًا: ماذا لو أُعلن الحكم الذاتي لحضرموت؟
لنُفترض، جدلًا، أن معجزة سياسية إقليمية أو دولية منحت حضرموت الحكم الذاتي، فهل ستتمكن من:
استغلال مواردها النفطية؟
مع العلم أن التصدير متوقف بفعل تهديدات الحوثيين، والشرعية عاجزة عن ردع هذه التهديدات.
هل لدى التحالف القدرة الفعلية على فرض الحكم الذاتي؟
وهل تستطيع الكيانات القبلية والسياسية الحضرمية فرض هذا الخيار إن رفضه التحالف والمجتمع الدولي؟
الإجابة على هذه الأسئلة، برأيي، واضحة للجميع.

رابعًا: مغالطات مركزية في مفاهيم الحكم الذاتي
الحديث عن الحكم الذاتي في ظل دولة بسيطة مركزية، غالبًا ما يكون مغالطة سياسية. هدفه إقناع الأقاليم بعدم المطالبة بالانفصال أو فك الارتباط.
ولنا في إقليم كردستان العراق، وجنوب السودان سابقًا، أمثلة واضحة.
فقرارات تلك الأقاليم ظلت خاضعة لرقابة المركز، ولم تكن سوى حكم ذاتي شكلي، فرضته ظروف خاصة، لا طبيعة النظام الدستوري.

خامسًا: غياب النصوص الدستورية
الحكم الذاتي لا يُمنح هكذا، بل يجب أن يُنص عليه في وثيقة دستورية للدولة. أما دون ذلك، فهو مجرد حلم لا يستند إلى أي تأويل قانوني. والاعتماد على التحالف أو المجتمع الدولي لتحقيقه أمر مستبعد، إذ إن قرارات مجلس الأمن الحالية تقتصر على دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب، ولا تمنح صلاحيات لإقرار مثل هذا النظام.

الواقع السياسي: معقد ومتشابك
بتحليل بسيط للمشهد اليمني، تبرز عدة عوائق واقعية وقانونية أمام تحقيق الحكم الذاتي لحضرموت، منها:
غياب الضمانات الدولية.
رفض القوى المسيطرة في صنعاء (حوثي، مؤتمر، إصلاح) لأي خيار يهدد نفوذها.
احتمال استخدام القوة لفرض سلطة المنتصر بعد انتهاء الحرب.
دعم شمالي ظاهري للحكم الذاتي لحضرموت قد يكون تكتيكًا لعرقلة مشروع استعادة دولة الجنوب، وفصل حضرموت عنها.

ختامًا: لسنا ضد أي خيارات سياسية لحضرموت، ولا ضد أي مكون سياسي أو قبلي. لكن ينبغي أن نُجنب حضرموت المماحكات، وأن نُعلّي مصلحتها فوق الجميع. وأقول بكل ثقة: إن أمام حضرموت خيارات واقعية وممكنة، أكثر جدوى من انتظار “من يمنحها” حكمًا ذاتيًا قد لا تملكه غدًا إذا تغيرت موازين القوة.
والله من وراء القصد.


مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات