الأربعاء, أبريل 16, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابحين تُرحّل الأزمات ولا تُحل.. اليمن وأجياله في قلب المأساة وخطر يهدد...

حين تُرحّل الأزمات ولا تُحل.. اليمن وأجياله في قلب المأساة وخطر يهدد الإقليم والعالم

  « أم تي آي نيوز » د. ياسر اليافعي

من أزمة إلى أخرى، ومن عقدة إلى عقد أعمق، تنتقل المعضلات وكأنها إرثٌ ثقيل لا يُغتفر، والمشكلة الأخطر ليست فقط في حجم الأزمات، بل في منهجية ترحيلها من جيل إلى آخر دون أي حلول جذرية.

لو تأملنا مسار الأحداث في اليمن، سنجد أن جيل السبعينيات والثمانينيات لم يواجه فقط أزمات عصره، بل ورث أزمات أكثر تعقيدًا في جيل التسعينيات، ثم جاء جيل ما بعد عام 2000 ليجد نفسه في قلب أزمات أعمق وأكثر تشابكًا، تتسارع حدتها حتى وصلنا إلى جيل ما بعد الحرب، الذي يعيش اليوم واقعًا خانقًا ومستقبلًا مجهولًا.

في المقابل، نجد أن دول الجوار تحرص على تخفيف الأزمات عن الأجيال الحالية، وتعمل على منع انتقالها إلى الأجيال القادمة. وهذا هو جوهر التنمية المستدامة: أن تُعالج مشاكل الحاضر دون التضحية بمستقبل الأجيال القادمة.

أما نحن، فلا نعيش حاضرًا مستقرًا، ولا نملك رؤية واضحة للمستقبل. والهوة تتسع بين الأجيال، وتستمر الأزمات في التشظي والتضخم.

قد يُرجع البعض سبب الأزمة إلى جماعة الحوثي، ولكن الواقع أعمق من ذلك بكثير، فالحوثي هو مجرد نتاج طبيعي لتراكم الأزمات وترحيلها عبر الأجيال، منذ ستينيات القرن الماضي في الشمال والجنوب.

المشكلة الأساسية أننا نحاول دومًا التحايل على الأزمات بدلًا من مواجهتها بصدق. يتم اختزال المعضلة في “الحوثي فقط”، ويتم تجاهل أزمات الجنوب المتعددة، وأزمات الشمال المتجددة، وكأن القفز فوق هذه الحقائق سيقود إلى حل، بينما هو في الحقيقة إعادة تدوير للمشاكل وتصديرها إلى أجيال لاحقة.

للأسف، وسط هذه الدوامة،  المجتمع الإقليمي والدولي بات شريكًا في تعقيد المشهد اليمني، لأنه حين يضع الحلول يتجاهل الجذور الحقيقية للأزمات.
على سبيل المثال، المبادرة الخليجية حصرت الأزمة بين طرفين (المؤتمر والإصلاح)، وركزت على تقاسم السلطة، فكانت النتيجة حروبًا مستمرة حتى اليوم.

المجتمع الدولي لا يهتم إلا بمصالحه الضيقة في اليمن؛ حيث تكون مصالحه، يكون موقفه، دون اكتراث بإيجاد حلول شاملة ومستدامة. وكل ما نشهده من مؤتمرات وورش عمل نظمتها المنظمات الدولية لم ينتج عنه أي حلول فعلية، بل زاد من تعقيد الأزمة.

منذ عام 2011 وحتى اليوم، كم من الأموال صُرفت؟ كم من الورش والسفريات والفعاليات نُفذت باسم “حل الأزمة اليمنية”؟ والنتيجة: لا شيء يُذكر، سوى استفادة بعض الأفراد المحسوبين على هذه المنظمات ومساعديهم المحليين.

وما يُحزن أكثر، أن هناك أطرافًا محلية وإقليمية مستفيدة من استمرار هذا الوضع، ولا رغبة حقيقية لديها في إيجاد حلول جذرية. والنتيجة: استمرار الأزمات، وتعقّدها، حتى تصل إلى مرحلة قد تصبح معها غير قابلة للحل.

لقد أثبتت الأيام أن تعقيد الأزمة اليمنية لن ينعكس فقط على الشعب اليمني، بل إن تبعاتها بدأت تطال المنطقة بأكملها.
النار، حين لا تُطفأ، لا تقف عند حدود، بل تمتد وتحرق ما حولها. وكل من يظن أن الأزمة محصورة داخل اليمن، يتجاهل الواقع المتغيّر الذي قد يفجّر الأوضاع في الإقليم ككل وما نشاهده هذه الأيام خير شاهد.

لهذا، لا بد من تغيير جذري في طريقة التفكير والتعامل مع الملف اليمني. لم تعد “المسكنات السياسية” تجدي نفعًا، بل إنها أشبه بعلاج خاطئ يؤدي في النهاية إما إلى فشل كلوي أو تسمم كبدي، تمهيدًا لوفاة محققة.
في الحالة اليمنية، هذا “الوفاة” يتمثل في حرائق لا تتوقف، تمتد إلى كل مكان، وقد لا تنجو منها المنطقة بأكملها.


مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات