الأربعاء, يناير 29, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابللباحثين عن المناصب

للباحثين عن المناصب

أم تي آي نيوز » كتب : أكرم باحشوان

في كل صباح، نستيقظ على مشهد مألوف، أشخاص يرتدون أجمل ما لديهم من الثياب، يضعون أبهى الابتسامات على وجوههم، ويسرعون بخطواتهم نحو مكاتب القرار والمناصب. تجدهم يسعون بكل ما لديهم من طاقة، لا نحو العمل أو الخدمة، بل نحو الكرسي الذي يرمز في أذهانهم إلى القوة والسلطة. وبينما جيرانهم يعانون من أبسط مقومات الحياة – كالكهرباء والماء والطرق المتهالكة – يواصل هؤلاء مسيرتهم بحثًا عن الألقاب والمكانة.

عندما تجالس أحد هؤلاء الطامحين، ستجد أن نظراته تركز على قيمة الكرسي وما يمكن أن يمنحه له من امتيازات، وليس على ما يمكن أن يقدمه للوطن. حديثه يدور حول المجاملات والعلاقات العامة، وليس حول الخطط والإصلاحات. وعندما تسأله: هل ستخدم هذا البلد؟ هل ستترك أثرًا يذكرك به التاريخ؟ ستكون إجابته غالبًا مراوغة، يبرر بها قلة حيلته وغياب قدرته: “الموضوع ليس بيدي… مشاكل البلاد أكبر مني.”

لكن المفارقة تبدأ بعد أن يحصل هذا الباحث على المنصب. من مكتبه الذي لا يتعدى أربعة أمتار مربعة، يبدأ في إصدار الأوامر والتظاهر بالانشغال. تجده وزميلته “غيدا”، التي تعمل معه في نفس المرفق، يفتعلان الحماس حول أعمال شكلية، بينما تبقى الخدمات غائبة، والمشكلات تتراكم.

**ماذا عن “غيدا” والخدمات؟**

تلك الخدمات التي كانت من المفترض أن تكون جزءًا من مسؤوليتهم، أين هي؟ بل أين هي الطاقة التي كان يتحدث بها هذا الباحث عن المنصب قبل أن يجلس على كرسيه؟ يبدو أن وصوله للمكان الذي طالما حلم به قد استنزف كل ما لديه من طموح. انتهت المهمة بالنسبة له، وتحول إلى جزء آخر من منظومة الخلل.

**هل نحتاج إلى رقابة صارمة؟**

الحل لا يكمن فقط في انتقاد هؤلاء الأشخاص، بل في وضع آليات رقابة صارمة ومحاسبة جادة. يجب ألا يُسمح لأي شخص باعتلاء منصب دون أن يكون هناك ضمانات حقيقية لخدمة المواطنين وتحقيق الأهداف المرجوة. كما يجب أن تُحاسب “غيدا” وأمثالها الذين يشاركون في إدامة هذا العبث، ليكونوا عبرة لكل من يسعى وراء السلطة دون إدراك لمسؤولياتها.

**البحث عن المنصب ليس مشكلة بحد ذاته**

أن تسعى للحصول على منصب مسؤولية أمر طبيعي. ولكن أن يتحول هذا السعي إلى هدف في حد ذاته، بعيدًا عن أي رؤية أو التزام تجاه الوطن، هنا تكمن المشكلة. المناصب ليست تشريفًا أو وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية، بل هي مسؤولية تتطلب الالتزام والعمل الجاد لخدمة الناس وتحقيق تطلعاتهم.

لذلك، على كل من يبحث عن المنصب أن يتذكر: الكرسي ليس دائمًا، وما يتركه خلفه من أثر هو ما سيخلده في ذاكرة الناس. إن لم تكن على قدر المسؤولية، فمن الأفضل أن تتنحى عن السباق قبل أن تتحول إلى جزء من المشكلة بدل أن تكون جزءًا من الحل.




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات