السبت, يناير 11, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابهل تحتاج مصر إلى نفي استهداف الحوثيين

هل تحتاج مصر إلى نفي استهداف الحوثيين

أم تي آي نيوز » كتب : محمد ابو الفضل

كان على مصر أن تترك معلومات رددتها وسائل إعلام إسرائيلية بشأن استهدافها الحوثيين في اليمن عسكريا، ولا تسارع بالنفي حتى يصل المضمون المعنوي لها، ويتسنى أن تستوي هذه الجماعة على نار هادئة وتعرف أن صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة التي تستهدف إسرائيل والملاحة المتجهة إليها عبر البحر الأحمر أضرت بقناة السويس، وخسرت بسببها القاهرة أموالا طائلة، لا تقارن بما خسرته تل أبيب من بشر وحجر، وسوف يكبّد استمرار التهديدات مصر كلفة مادية مضاعفة.

بالغت جماعة الحوثي في التعويل على الصبر المصري وحساسية الحسابات التي تشغل عقل القاهرة، وبالغت أكثر بشأن أهمية عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، والتي أدت إلى قيام الأخيرة بالمزيد من التنكيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولا الحرب انتهت أو توقف الإمعان في تقتيل الفلسطينيين وتحطيم بيوتهم.

تضررت مصر اقتصاديا وفقدت أكثر من نصف عائدات قناة السويس (نحو 7 مليارات دولار خسائر العام الماضي)، وبدأت إسرائيل حربا ممنهجة ضد جماعة الحوثي ومعداتها العسكرية في أنحاء مختلفة من اليمن، ويمكن أن تلحق بهم أذى لا يقل ضراوة عمّا لحق بحركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وإيران نفسها التي ترعى الحوثيين وتقدم لهم دعما ممتدا، كأن الجماعة وطهران تبحثان عن عدو مشترك بأي ثمن لتحقيق أهدافهما، فبدلا من إطلاق صواريخ الحوثيين على السعودية والإمارات، اتجهت نحو إسرائيل بذرائع متباينة.

المشكلة أن مصر تكاد تكون المتضرر الأول اقتصاديا في المنطقة وليست إسرائيل، وتجد نفسها في وضع حرج بين وقف نزيف خسائرها باللجوء إلى التعامل بخشونة مع الحوثي، وبين استمرار سياسة الصمت، فالخيار الأول يضعها في خانة واحدة مع إسرائيل التي اعتدت على الفلسطينيين وتواصل الاعتداء على اليمنيين بعد أن رفضت الانضمام إلى تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين، ورأت أن الحلول الدبلوماسية يمكن أن تجدي، وهو ما ثبت فشله حتى الآن.

وبات الخيار الثاني (الصمت) مكلفا اقتصاديا مع مواصلة بطء الملاحة في البحر الأحمر وتحول جزء كبير من التجارة بعيدا عنه، وعدم اليقين من وقف التوترات، والطريقة التي يمكن أن تنتهي إليها، ويفضي هذا الغموض إلى خسائر على المستوى الإستراتيجي تؤثر على مكانة مصر والدور المحوري لممر قناة السويس.

كان على مصر أن تستثمر في التقارير التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، وإن رفضتها جملة وتفصيلا، حيال عدم استبعاد اللجوء للقوة العسكرية لردع من يهددون أمنها القومي في البحر الأحمر من دون تدخل حقيقي، ولا تلجأ إلى النفي السريع، وكان يكفي أن تشعر جماعة الحوثي بأن القاهرة رافضة لتصرفاتها، وعلى وشك أن تغيّر تقديراتها، وقد تتخذ موقفا صارما مع كل ما يهدد مصالحها في أيّ مكان.

وعلى ذلك تتيقن إيران بعدم جدوى ممارساتها، والتي لا تضر بإسرائيل بقدر ما تضر بأذرعها المسلحة نفسها وتعرضها لضربات موجعة من قوى مختلفة، كما أن هذه الممارسات سوف توسع دائرة الخصوم لحلفائها، فإذا كانت مصر تنأى عن أيّ تدخل عسكري حتى الآن، فإن استمرار خسائرها الفادحة سوف يجبرها على تغيير توجهاتها السياسية حيال بعض القوى عندما يصل الأمر إلى حد إجبارها على قبول التعايش.

وقد يصبح الوضع أقسى اقتصاديا على القاهرة عندما تتواصل لعبة كسر العظام بين إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، والحوثي وإيران من جهة ثانية، لأن الملاحة يمكن أن يزداد تعطلها ويتسع نطاق الضرر الواقع على مصر بسبب خمول قناة السويس، ومن ثم المنطقة الاقتصادية التابعة لها، والتي تعتمد على توطين بعض الصناعات وتصدير المنتجات جنوبا، وتقديم خدمات لوجستية للسفن، فلن تكون لهما قيمة كبيرة مع استمرار التهديدات في جنوب البحر الأحمر.

وإذا فشلت الوساطة التي يمكن أن تقوم بها سلطنة عمان لإقناع جماعة الحوثي بالكف عن العمليات العسكرية، فالموقف سوف يصبح أشد قتامة بالنسبة إلى مصر، لأن الرهان على الهدوء عبر الأدوات الدبلوماسية لن يكون له معنى، فالتحرك الذي تقوم به مسقط ربما يكون آخر الأوراق لدى القاهرة للحل السياسي والقبول بالأمر الواقع بدلا من الانحياز ضد جماعة الحوثي، اتساقا مع النتائج المؤلمة لتدخل سابق جرى في اليمن خلال حقبة الستينات من القرن الماضي.

يمنح وصول مصر إلى محطة اللاسلم واللاحرب إسرائيل مكاسب نوعية، تتمثل في القضاء على الآلة العسكرية للحوثي وربما تطمع، بمساندة من الولايات المتحدة بالطبع، إلى المطالبة بترتيبات معينة في جنوب البحر الأحمر بذريعة تضررها من العمليات التي تقوم بها جماعات عسكرية في محيطه، وفي الذهن ما حدث مع اندلاع حرب أكتوبر 1973، حيث لا يزال يعلق في ذهن قادتها غلق مضيق باب المندب ومنع مرور النفط الخليجي للدول الغربية.

وتتسق هذه الرغبة مع توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجراء تحول هيكلي في بعض المعادلات والتوازنات الإقليمية، بما يجعلها تميل كثيرا إلى تل أبيب وتنتهي سرديات تاريخية وإستراتيجية مستقرة منذ عقود.

منحت عمليات الحوثيين ضد السفن المتجهة إلى ميناء إيلات عبر البحر الأحمر واستهداف عمق إسرائيل مبررات لقادتها لنسج سيناريو أبعد من وقف تهديدات الجماعة وتقويض قوتها، وهو ما يجب أن تلتفت إليه مصر جيدا، فردع الحوثي بالليونة يجب أن يكون على قمة أولوياتها، وإذا كان التلويح بالقوة يؤدي إلى نتيجة عاجلة فلا مانع منه لأن استمرار الخسائر المادية يمثل ضررا عميقا للاقتصاد، وموارد قناة السويس أحد أهم مصادر الدخل القومي، ولا تحتمل هزات كبيرة.

ودخلت الحرب على غزة عامها الثاني وزادت توابعها في المنطقة، ولم تحقق جماعة الحوثي ضررا موجعا لإسرائيل، ومصر أكبر الدول التي تكبدت خسائر وعليها أن تمارس ضغوطا متعددة بعد أن تحولت عمليات الحوثي إلى سلسلة من الكر والفر لا أحد يعلم مداهما السياسي أو العسكري.

ليس مطلوبا من مصر الدخول في تعاون عسكري مع إسرائيل أو الانضمام إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة، أو استهداف الحوثيين بالقوة الغاشمة، بل البحث عن صيغة خلاقة لإقناع قيادة الجماعة وطهران بعدم جدوى العمليات العسكرية، والتي توفر حججا للمزيد من تدمير مقدرات اليمن، فقد تتراجع قوة الحوثي وتتلاشى هيمنة الجماعة، لكن البلاد سوف تصبح وقتها أكثر دمارا، وتعج بفوضى تمنح فرصة لتنظيمات متطرفة تمارس عبثا جديدا في جنوب البحر الأحمر يمكن أن يؤثر على مداخيل قناة السويس بشكل أشد قسوة، فمن المحتمل أن تتصارع جماعات إرهابية ومتطرفة وليس جماعة واحدة، وهو ما تحتاج السيطرة عليه وقتا طويلا.




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات