« أم تي آي نيوز » كتب : اللواء/ علي حسن زكي
في ظل الحرب الاقتصادية الأشد وطأة وضررًا على حياة الناس المعيشية والخدمية من بين بقية الحروب، فإذا كانت الحرب العسكرية تستهدف إزهاق الأرواح البشرية والإضرار بالمصالح العامة والخاصة ونهبها، وإذا كانت الحرب الاستخبارية تحاول اختراق الجماعات والأهداف العسكرية والأمنية بالأفعال الإرهابية التخريبية والتجسسية، وحياة الناس وأمنهم واستقرارهم من خلال خلايا يتم تجنيدها لذات الغرض، وإذا كانت الحرب الإعلامية والنفسية تستهدف تزييف الحقائق وتأليف وفبركة وقائع لا وجود لها في الواقع، فضلًا عن استخدام أساليب التشويه والتشهير وتقنّص الأخطاء الناتجة عن الممارسة العملية وبث الإشاعة بقصد إقلاق العامة نفسيًا وزرع حالة الخوف والإحباط لديهم، ولدى منتسبي القوات العسكرية والأمنية أيضًا بأخبار لا وجود لها إلا في مخيلتهم المريضة، وكذلك حرب احتراق حافلات النقل الجماعي ومن عليها من المسافرين في خط السير العام.
فإن الحرب الاقتصادية تستهدف انتزاع لقمة العيش والماء من أفواه الجائعين والعاطشين، وضوء الكهرباء من أعين الساكنين، وإزهاق أرواح أرباب الأسر من خلال دفعهم للانتحار مكرهين بعد أن وجدوا أنفسهم غير قادرين على إطعام أطفالهم واحتياجات أسرهم اليومية. وما أصعب على الإنسان حين يرى ابنه يتضور جوعًا ولا يستطيع إطعامه، وبعد أن أوصلوهم إلى مستوى ما دون خط الفقر. والأسعار لازالت مرتفعة رغم تحسن سعر الصرف بسبب ضعف، إن لم يكن غياب، الرقابة السعرية الحكومية المستمرة. والوظيفة العامة مصادرة وباتت في خبر كان، وصار الشباب الخريجون على رصيف البطالة، متوازيًا ذلك مع ضعف الطلب في سوق العمل وانسداد فرص الالتحاق بالجندية للحصول على راتب يساعد أسرهم — دعك من بناء مستقبلهم — بعد أن لاحظوا من سبقوهم، وكل القوات العسكرية والأمنية الجنوبية قديمها وحديثها، بدون مرتبات لخمسة أشهر متتالية، والسادس تمضي أيامه، وهو حال بقية الموظفين ناهيك عن توقف علاواتهم القانونية لسنوات مضت.
وفيما تأتي دعوة مجلس المتقاعدين بعد أن خرج أحرار عدن/الجنوب إلى ساحات وميادين النضال السلمي رفضًا لأسباب كل تلك المعاناة ونتائجها الكارثية على حياتهم وتمسكًا بحق الحياة والعيش الكريم، فقد خرجت حرائر عدن أيضًا في “ثورة النسوان” لذات الغرض، في إشارة إلى أن المجاعة قد غزت كل أسرة ودخلت كل بيت، ولا حياة لمن تنادي.
وفي ظل كل تلك التراتبية من معاناة الناس واحتجاجاتهم عليها، ولمؤازرتهم في الخروج منها والمطالبة بمرتبات العسكريين والأمنيين والمدنيين المتوقفة لخمسة أشهر متتالية خلال هذا العام ولعدة أشهر خلال الأعوام الماضية، تأتي دعوة مجلس المتقاعدين برئاسة الأخ د. عبده المعطري رئيس المجلس للاحتشاد أمام بوابة قصر المعاشيق، حيث تحمل تلك الدعوة رمزية وطنية طالما توافق موعدها ٢٧ نوفمبر الحالي مع حلول مناسبة ذكرى الاستقلال الوطني ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
لقد كان مجلس المتقاعدين سبّاقًا في الدعوة إلى استعادة حقوق أبناء الجنوب المسلوبة والمنتهكة بقوة الحرب والاحتلال عام ١٩٩٤م، بما فيهم المتقاعدون قسرًا، ولما لم يتم تلبيتها من قبل قوى الاحتلال وبالتجاهل والغطرسة والاستقواء الغاشم والظلم، فقد مثّلت تلك الدعوة إيذانًا بمرحلة احتجاجية سلمية أدار عجلاتها المجلس يوم ٧/٧/٢٠٠٧م، واحتشد حولها كل أبناء الجنوب وشبابه بمختلف فئاته رفضًا للاحتلال ومواجهته سلميًا.
فهل آن لشراكة سلطة الحكم أن تتفاعل مع مطالب الناس الحياتية والخدمية وتعمل على معالجتها وصرف الرواتب المتأخرة بصورة عاجلة، وقبل فوات الأوان؟.
عضو رئاسة مجلس المتقاعدين.

