« أم تي آي نيوز » العربي الجديد
يسود ترقّب واسع في اليمن لبدء سريان قرار تحرير الدولار الجمركي، الذي يصفه كثيرون بالخطوة الجريئة التي أقدمت عليها الحكومة في برنامج الإصلاحات الذي تنفذه، وبعد تردد كبير دفعها للاعتماد على مجلس القيادة الرئاسي الذي شكّل مظلة رئيسية لتبنّي إصدار مثل هذا القرار.
بخلاف العديد من القرارات الأخرى التي أصدرتها الحكومة منذ أغسطس/آب الماضي، نأت الأخيرة بنفسها عن واجهة تبنّي قرار تحرير الدولار الجمركي، وظهرت بصورة الطرف المقترح للقرار الذي أصدره “القيادة الرئاسي”، حيث من المنتظر أن تشهد اليمن ارتدادات واسعة لهذا القرار في الأسواق والأسعار والواردات السلعية والشحن التجاري إلى اليمن، الذي يمرّ بأزمة شديدة هي الأكبر منذ العام 2015.
وفي الوقت الذي يتوقّع فيه خبراء اقتصاد ومتعاملون في الأسواق أن يشهد اليمن موجة جديدة من ارتفاع الأسعار بسبب قرار تحرير الدولار الجمركي، يرصد “العربي الجديد” ارتفاعاً متصاعداً في الأسعار خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تأتي في ظل معاناة وأزمة كبيرة تخنق الأسواق منذ إنشاء اللجنة الوطنية الحكومية لتنظيم وتمويل الواردات، والتوترات التي شهدتها الأسواق بسبب قيام الجهات الحكومية بفرض تسعيرة جديدة للسلع تعكس التحسّن الطارئ في سعر صرف العملة المحلية.
الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة أهلية يمنية)، يفسّر في تصريح لـ”العربي الجديد” أن حزمة القرارات الأخيرة تأتي بالدرجة الأولى لمعالجة أزمة الحكومة، لاسيما أن هناك أزمة متفاقمة في الإيرادات وعدم قدرتها على تسليم المرتبات خلال الأشهر الأخيرة، وهي بحسب تصور نصر، هدفها إنقاذ الحكومة قبل أيّ شيء آخر.
ويخشى نصر أن تقتصر عملية تنفيذ هذه الحزمة من القرارات على تحرير الدولار الجمركي باعتباره الإجراء الأسهل، لكن الأصعب سيكون في عملية تنفيذ ما ورد في بقية خطة الإصلاحات مثل إغلاق المنافذ غير الرسمية، والتي ستكون بمثابة كارثة كبيرة، لأن تطبيق سعر الدولار الجمركي بالتزامن مع إلزام القطاع التجاري بالامتثال الكامل لتقديم فواتيره الصحيحة وفقاً لاشتراطات لجنة تمويل الاستيراد، يستدعي إغلاق كل منافذ التهريب ومنافذ الاستيراد غير الرسمية، وإلا ستزداد عملية التهريب بطريقة أكثر ضراوة، ولن يلجأ التجار إلى استيراد بضائعهم عبر الطرق الرسمية، وبالتالي ستفشل الحكومة في تحقيق النتائج التي تهدف لتحقيقها.
ويؤكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن الأسعار قد لا تزيد بنسبة كبيرة في حال تم تنفيذ ما تضمنته الخطة من إلغاء الجبايات المفروضة في الطرقات والجبايات غير القانونية المختلفة، لأن ذلك يمكن أن يعمل على إيجاد نسبة توازن في الأسعار ومن تكلفة السلع.
وتعيش السلطات المحلية الحكومية حالة استنفار في كثير من المدن مثل عدن، وذلك في ظل تصاعد المخاوف من أزمة سلعية وموجة سعرية قد تجتاح الأسواق؛ إذ وجّه وزير الدولة، محافظ محافظة عدن أحمد لملس، بتكثيف الحملات والنزولات الميدانية من قِبل أجهزة السلطة المحلية ومكاتب الصناعة والتجارة في المديريات، لضبط المخالفين والمتلاعبين بالأسعار، ومراقبة الأسواق بما يضمن استقرار الوضع التمويني والمعيشي للمواطنين، داعياً إلى تفعيل الدور الرقابي وتطبيق القوانين بحق المتجاوزين، مع تعزيز التنسيق بين الجهات ذات العلاقة لضمان استقرار الأسعار ومنع أي ممارسات احتكارية أو تلاعب بالسلع الأساسية.
ويتوقّع الخبير الاقتصادي محمد جمال الشعيبي، أستاذ المالية العامة بجامعة عدن، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن يشهد السوق المحلي ارتفاعاً قد يكون مؤقتاً في الأسعار وتباطؤاً في الاستيراد، في حال تنفيذ قرار تحرير سعر الدولار الجمركي، وذلك في ظل عدم تنفيذ باقي القرارات المتعلقة بالتوريد وضبط الأوعية المالية، قبل أن تظهر آثار الإصلاح على استقرار العملة وتحسن الانضباط المالي.
في المحصّلة، تمثل القرارات الأخيرة كما يرى الشعيبي اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة على الانتقال من إدارة الأزمات إلى إدارة الإصلاحات، فالنجاح لن يكون فورياً، لكنه ممكن إذا ما اقترن بالإرادة السياسية، والانضباط الإداري، واستمرار الدعم الدولي والإقليمي لمسار البنك المركزي في عدن.
إضافة إلى أن قرارات توريد الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي تظل حبراً على ورق إلى أن يلمس الجميع جدية من الحكومة في تنفيذ إصلاحات مالية حقيقية، بما في ذلك هذه القرارات الأخيرة. في حين هناك محصلة أخرى تتعلق بعملية إيجاد التوازن في الأسعار يتطرق إليها نصر، تتعلق بضرورة الاتفاق مع القطاع الخاص على خطوات تنفيذية حقيقية، لكن المشكلة تتمثل في عدم وجود أي قنوات تواصل بين الحكومة والقطاع الخاص، وهو بمثابة مؤشر مقلق قد نشهد بسببه ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، مقابل أن الحكومة لن تحصل على الإيرادات التي تطمح لها من خلال تنفيذ مثل هذا القرار.
وتشكّل القرارات الأخيرة الخاصة بتوريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي في عدن وتحرير سعر الدولار الجمركي محطة مفصلية في مسار الإصلاح المالي والإداري الذي تسعى الحكومة لتنفيذه، بحسب حديث الشعيبي، في ظل ظرف اقتصادي شديد التعقيد. ومجملها تدور حول استعادة السيطرة على المال العام.
غير أن هذه الخطوات، رغم أهميتها، ستظل رهينة التنفيذ والانضباط المؤسسي، فنجاحها يتطلّب التزام السلطات المحلية بتوريد إيراداتها بانتظام وقدرة الحكومة على فرض قراراتها عليها، كما يتطلّب الأمر تعاون القطاع الخاص في تحويل مبيعاته إلى حساباته البنكية الرسمية ووقف فتح حسابات في مؤسسات الصيرفة، لأن تعاون القطاع الخاص يسهل مهمة الحكومة ومؤسساتها المركزية في إحكام الرقابة على حركة النقد الأجنبي وضمان دخول عائدات التجارة عبر النظام المصرفي الرسمي، بما يعزز احتياطي البنك المركزي ويقوي العملة الوطنية.
فيما هناك تحدٍّ آخر يكمن في مدى تجاوب القطاع التجاري، خصوصاً في ظل ضعف الثقة بالمنظومة المصرفية وتراكم التعقيدات الإدارية. وينتقد وليد العطاس، أستاذ العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، قرار رفع الدولار الجمركي، والذي من وجهة نظره جاء دون دراسة التبعات التي قد تنتج عن تنفيذه وتضاعف من معاناة المواطنين، خاصة الموظفين المتأثرين بتأثيرات وتبعات قرارات أخرى في خطة الإصلاحات سبقت قرار تحرير الدولار الجمركي، وأدت إلى ارتفاع سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية دون انعكاس ذلك على انخفاض الأسعار.
ويرى أن مثل هذا القرار سيؤدي إلى رفع مستوى الأسعار في ظل ثبات المرتبات دون زيادة، مع التذكير بأن الزيادة في أسعار السلع من المفترض ألا تكون كبيرة كون الزيادة ستكون محدودة ومقتصرة على الفارق فقط بين سعري الدولار الجمركي السابق والحالي، إلا أن القلق من جشع التجار في استغلال حالة الخوف لدى المواطنين وقيامهم برفع أسعار سلعهم بشكل مبالغ فيه في ظل غياب أي دور للأجهزة الرقابية.

