الجمعة, أكتوبر 31, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابهل يتشكل تحالف يمني-إقليمي و دولي لمحاربة الحوثيين ام العودة الى خارطة...

هل يتشكل تحالف يمني-إقليمي و دولي لمحاربة الحوثيين ام العودة الى خارطة سلام؟

« أم تي آي نيوز » أ.د.عبدالوهاب العوج

يبدو أن اليمن مقبلة على مرحلة جديدة من الصراع، حيث تجتمع العوامل الإقليمية والدولية لتشكيل تحالف عسكري وسياسي يهدف إلى اقتلاع مليشيات الحوثي بعد أن تجاوزت مرحلة السيطرة الداخلية إلى تهديد الأمن البحري والمصالح الدولية، فالمؤشرات الميدانية والسياسية تؤكد أن هناك إرادة متنامية داخل التحالف العربي، مدعومة بتفاهمات أمريكية وأوروبية، لتوسيع نطاق المواجهة ضد الحوثيين بعد أن أصبحت تهديدات قيادت حوثية بأستئناف هجماتهم على السعودية و الإمارات وانهم باتو يمتلكون طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية اكثر تطورا من تلك التي استخدمتفي استهداف حقول النفط في بقيق و خريص بالسعودية و منشآت نفطية في ابو ظبي بالإمارات، وهددت ايصا انها ستستهدف في الوقت ذاته الكابلات البحرية التي تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن، والتي تنقل نحو 17% من بيانات الاتصالات العالمية، وهو ما جعل خطر الحوثي يتجاوز حدوده اليمنية ليصبح تهديداً للبنية التحتية الرقمية العالمية.

تزايدت هذه المؤشرات بعد تحذيرات غربية متكررة من نشاط الحوثيين في البحر الأحمر، خاصة بعد الهجمات التي طالت سفن شحن دولية مثل “ماجيك سيز” و”إنترنيت سي” والسفينة الهولندية في خليج عدن، الأمر الذي جعل القوات البحرية الأمريكية والفرنسية والبريطانية تعيد تموضعها في البحر الأحمر وباب المندب و خليج عدن ضمن ما يسمى “تحالف الأمن البحري”، والذي بات يشكل الذراع العملياتية الأولى في مواجهة الحوثيين.

وإذا أضفنا إلى ذلك إطلاق الحوثيين صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل في الاشهر الماضية خلال عامي 2024-2025م، فإننا أمام تصعيد متعدد الجبهات يستهدف زعزعة الأمن الإقليمي، وهو ما يفسر الحراك النشط في واشنطن وتل أبيب لتأسيس مظلة أمنية تشمل البحر الأحمر والخليج العربي، وقد يكون اللوبي الإسرائيلي داخل الإدارة الأمريكية أحد أبرز الداعمين لفكرة تحويل اليمن إلى ساحة مواجهة غير مباشرة مع إيران، عبر استهداف أدواتها الحوثية في الشمال اليمني.

التحالف المتوقع لن يكون مجرد نسخة جديدة من “عاصفة الحزم” عام 2015م، بل سيكون أوسع وأدق في أهدافه، يعتمد على الاستخبارات الغربية والتنسيق البحري، ويهدف إلى تقليم قدرات الحوثيين الصاروخية والبحرية كما جرى مع حزب الله في لبنان بعد حرب 2006، خصوصاً أن طهران وجّهت منذ سنوات جزءاً من دعمها المالي والتقني إلى الحوثيين بعد انتهاء حضورها العسكري في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد

و تقلص دور حزب الله في لبنان و توقف الحرب في غزة، مما جعل اليمن ساحة النفوذ البديلة لإيران و هو ما يلاحظ من وتيرة التصعيد في تهريب أسلحة متطورة الى الحوثيين.

لكن تبقى المعضلة اليمنية داخلية في جوهرها، فالحكومة الشرعية، رغم الدعم السعودي الإماراتي، ما تزال تعاني من التشتت والانقسام بين فصائلها العسكرية والسياسية، وهو ما يعرقل بناء موقف موحّد يمكن أن يواكب التحالف الدولي القادم، وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل تستطيع السعودية والإمارات فرض توحيد القرار العسكري والسياسي داخل قوى الشرعية اليمنية لتهيئة الأرضية لهذا التحالف المنتظر؟ أم سيظل الانقسام الداخلي هو الثغرة التي تنفذ منها إيران وميليشياتها لتكرار تجربة لبنان والعراق وسوريا؟

المشهد اليمني يقف اليوم على مفترق طرق حاسم، فإما أن يتشكل التحالف الإقليمي والدولي لفرض معادلة جديدة في موازين القوة، أو أن يواصل الحوثيون استثمار التناقضات الداخلية والإقليمية لكسب مزيد من الوقت وإعادة التموضع كما فعلوا بعد اتفاق ستوكهولم، ليصبح البحر الأحمر و خليج عدن مرة أخرى رهينة لتهور الميليشيا ومصالح القوى المتداخلة.

ومن المفيد هنا مقارنة هذا التحالف اليمني المنتظر بتجارب دولية سابقة، مثل التحالف الذي تشكل في مطلع العقد الماضي لمواجهة القرصنة في سواحل الصومال والذي نجح عبر التعاون الدولي في تأمين الممرات البحرية في خليج عدن والقرن الأفريقي، أو التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، حيث تم دمج القدرات الجوية والاستخباراتية الغربية مع القوات المحلية، وهو النموذج الأقرب لما يمكن أن يحدث في اليمن اليوم، إذ ستتولى القوات اليمنية الشرعية تنفيذ العمليات البرية بدعم استخباراتي وجوي من التحالف العربي والقوى الغربية، لتتحول المواجهة من صراع داخلي إلى عملية إقليمية دولية منسقة تهدف إلى إنهاء التهديد الحوثي كذراع عسكرية إيرانية رئيسية تهدد الأمن الإقليمي والدولي معاً.

أما على مستوى التسوية السياسية وخارطة السلام اليمنية، فإن نجاح هذا التحالف أو فشله سيحدد شكل اليمن في المرحلة القادمة، فإذا تمكن من إضعاف الحوثيين واستعادة موازين القوة لصالح الحكومة الشرعية، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام مفاوضات سلام حقيقية تفرض على الحوثي الجلوس من موقع أقل قوة وتعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة اليمنية رغم ما تقوم به سلطنة عمان من جهود اخوية مقدرة لتقريب وجهات النظر في ملف خارطة السلام اليمنية، أما إذا فشل التحالف في توحيد الجبهة الداخلية أو اكتفى بعمليات محدودة دون حسم ميداني، فسيؤدي ذلك إلى إعادة إنتاج الصراع في صورة جديدة و في دورات متتالية من الحرب الداخلية، ويمنح الحوثيين فرصة لترسيخ سلطتهم في المحافظات الشمالية وتحويلها إلى كيان أمر واقع، وهو ما سيجعل مستقبل اليمن رهينة لتوازنات الخارج أكثر من إرادة أبنائه في الداخل.

وعند النظر إلى المواقف الدولية الكبرى، تبدو الصين و روسيا عاملين حاسمين في رسم ملامح هذا التحالف القادم، فبكين التي عززت حضورها الاقتصادي في البحر الأحمر وميناء جيبوتي، تدرك أن استقرار الممرات البحرية يضمن مصالحها التجارية ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، ومن ثم فهي تميل إلى دعم أي ترتيبات تضمن الأمن الملاحي دون الانخراط المباشر في عمل عسكري واسع، خاصة في ظل وجود تفاهم اقتصادي صيني أمريكي من المتوقع أن يعلن عنه في كوريا الجنوبية خلال اللقاء بين الرئيسين دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، وهو تفاهم قد يعيد تشكيل التوازن الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ويقلل من حدة المواجهة بين واشنطن وبكين، الأمر الذي سينعكس على طريقة تعاطي القوى الكبرى مع الملف اليمني والتهديد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب، أما موسكو فستحاول الاستفادة من هذا التحول لتعزيز موقعها كوسيط سياسي، مستثمرة علاقاتها المتوازنة مع طهران ومع بعض أطراف الشرعية اليمنية، لتكون طرفاً فاعلاً في أي تسوية سياسية مقبلة بعد انتهاء العمليات العسكرية.

ومن المرجح أن يحمل اللقاء الأمريكي الصيني في كوريا الجنوبية مؤشرات واضحة لمسار المرحلة المقبلة، فإذا نجح التفاهم الاقتصادي في خلق أجواء من التهدئة بين واشنطن وبكين، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على التنسيق الأمني في البحر الأحمر، ويفتح الباب أمام تحالف متعدد الأطراف لمحاصرة النفوذ الإيراني والحد من قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة الدولية، أما إذا بقي الخلاف بين القوتين الكبرى دون حلّ جوهري، فسيؤدي ذلك إلى توازن هشّ في الموقف الدولي تجاه اليمن، ويجعل الصراع هناك مفتوحاً على احتمالات متعددة، تبدأ من الحرب بالوكالة ولا تنتهي بتدويل الملف اليمني بشكل كامل، وهو ما سيجعل من اليمن ساحة اختبار جديدة لمعادلات القوة بين الشرق والغرب في العقد القادم.

أ.د.عبدالوهاب العوج

أكاديمي ومحلل سياسي يمني

جامعة تعز

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات