« أم تي آي نيوز » العرب
تجري السعودية مشاورات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن صفقة دفاعية تشمل تعاونا موسعا في المجالات العسكرية والاستخباراتية، ضمن مقاربة لتدعيم التحالف الإستراتيجي بين البلدين وبمعزل عن مسار التطبيع مع إسرائيل، على خلاف ما كان يطرح في السابق.
وينصّ الاتفاق المنتظر على أن “أيّ هجوم على المملكة سيُعتبر تهديدًا للأمن الأميركي.” ومن المتوقع التوقيع عليه خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في نوفمبر المقبل.
وكشفت صحيفة “فاينانشال تايمز”، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الاتفاق المزمع يشبه في مضمونه الاتفاق الدفاعي الذي أُبرم مؤخرًا بين الولايات المتحدة وقطر، والذي ينصّ على أن أيّ اعتداء مسلح تتعرض له الدوحة سيُعتبر تهديدًا مباشرًا للمصالح الأميركية، ما يستدعي الرد وفقًا للالتزامات الدفاعية المشتركة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في إدارة ترامب أن هناك “نقاشات جارية للتوصل إلى صيغة نهائية للاتفاق عند زيارة ولي العهد السعودي، لكن التفاصيل لا تزال قيد التفاوض”.
وامتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن تأكيد فحوى الاتفاق، إلا أنها أكدت في تعليق للصحيفة أن التعاون الدفاعي مع المملكة “يُعد حجر الأساس لإستراتيجيتنا الإقليمية”.
وتأتي هذه المشاورات في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، لاسيما من قبل إيران ووكلائها في المنطقة، وهو ما يجعل أمن الخليج، وتحديدًا السعودية، أولوية قصوى لدى إدارة ترامب، التي تنتهج سياسة أكثر تقاربًا مع الحلفاء التقليديين مقارنة بالإدارة الديمقراطية السابقة.
ولا يعتبر الاتفاق الدفاعي المحتمل مفاجئًا في سياق العلاقات بين الرياض وواشنطن خلال عهد ترامب. فقد شهدت السنوات الأخيرة توقيع عدد من الاتفاقيات الكبرى، إلى جانب اتفاقيات شراكة اقتصادية وأمنية عززت التعاون بين الطرفين بشكل غير مسبوق.
ففي مايو الماضي، وخلال زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض ضمن جولة خليجية شملت الإمارات وقطر، تم توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية إستراتيجية، وُصفت حينها بأنها الأكبر من نوعها بين البلدين.
وفي أكتوبر 2024، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع محتمل لصواريخ “تاو” المضادة للدروع إلى السعودية بقيمة تُقدّر بـ440 مليون دولار، كما سبقتها صفقة في مارس شملت أنظمة أسلحة دقيقة التوجيه بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار.
◄ الخطوة – إن تحققت – تعكس رؤية الرئيس الأميركي الحالي في التعامل مع دول الخليج كشركاء إستراتيجيين لا غنى عنهم في ضمان استقرار المنطقة
وتُظهر هذه الخطوات بوضوح رغبة إدارة ترامب في استعادة الزخم في العلاقات الثنائية التي تعرضت لهزات خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن، والتي اتسمت ببرود دبلوماسي تجاه الرياض على خلفية قضايا سياسية وحقوقية.
وتأتي التحركات الدفاعية أيضًا ضمن جهود أميركية أوسع لدفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل. وترى واشنطن في تقديم مظلة دفاعية للرياض خطوة تمهيدية لتعزيز ثقة السعودية في الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، ما قد ينعكس على موقفها من التطبيع لاحقًا.
وفي أبريل الماضي، بدا الرئيس الأميركي واثقا من هذه المهمة حين قال إن “السعودية ستنضم إلى اتفاقيات إبراهيم،” في إشارة إلى الاتفاق الذي أُبرم في نهاية ولايته الأولى عام 2020 وشهد تطبيع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب للعلاقات مع إسرائيل، مؤكّدا قوله “هذا سيحدث.”
لكن تطورات الملف الفلسطيني، وخاصة الحرب على غزة، وهجوم إسرائيل على الدوحة لتصفية قادة حماس، كلها عناصر تدعم التريث الذي سبق أن عبّرت عنه المملكة في أكثر من مرة وفق رؤية تعتبر أن الظروف لم تتهيأ بعد لمثل هذه الخطوة.
وقالت الخارجية السعودية في وقت سابق إنّ “المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأميركية بأنّه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.”
وربما يوفر وقف الحرب، ونجاح خطة ترامب في غزة، إلى حد الآن، فرصة لاستعادة بعض التفاؤل بشأن استعادة المناقشات بشأن التطبيع. لكن الأمر قد يستغرق وقتا أطول مما هو متوقع نظرا إلى المزاج السلبي السائد بين الرأي العام العربي والإسلامي والدولي تجاه تل أبيب.
لكن أسلوب ربح الوقت والمراهنة على المتغيرات وما قد يحدث لاحقا من تهدئة في الشرق الأوسط، يبدو التكتيكَ الأمثل للمملكة، وهو ما ستحاول إقناع ترامب به.
ولا يُتوقّع أن تكتفي الرياض بمحاولة جلب مكاسب للفلسطينيين من وراء مضيها في تطبيع العلاقة مع إسرائيل، بل ستعمل على دراسة ما يتأتى لها من امتيازات وفوائد من بينها الحصول على المزيد من الضمانات الأميركية بشأن أمنها وعدم تراجع واشنطن عن التزاماتها في هذا المجال.
ويبدو أن البيت الأبيض، بقيادة ترامب، يعيد تشكيل أولوياته في الشرق الأوسط، واضعًا السعودية مجددًا في قلب إستراتيجيته الأمنية. فبعد سنوات من الفتور والتوتر خلال إدارة بايدن، تعود العلاقات إلى مسار التحالف الوثيق القائم على المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة.
وتعكس هذه الخطوة – إن تحققت – رؤية الرئيس الأميركي الحالي في التعامل مع دول الخليج كشركاء إستراتيجيين لا غنى عنهم في ضمان استقرار المنطقة واحتواء النفوذ الإيراني.
ورغم غياب التفاصيل الرسمية الكاملة، إلا أن ما كشفته “فاينانشال تايمز” يؤشر إلى تحول جديد في شكل العلاقة السعودية – الأميركية، قد يعيد ترتيب الأوراق في الخليج، ويفرض معادلة أمنية جديدة ستكون لها انعكاسات إقليمية ودولية في المرحلة المقبلة.
