« أم تي آي نيوز » د.علي صالح الخلاقي
لا يعرف القيمة التاريخية لثورة 14 أكتوبر المجيدة، إلا من عاش تلك الأوضاع القبلية التي سبقت الاستقلال الوطني، والتي كان عنوانها، التخلف والجهل والفتن والحروب القبلية في معظم مناطق الجنوب العربي، باستثناء عدن التي جعلها الانجليز مستعمرة خاصة به ولمصالحه العسكرية والتجارية وارتباطاً بذلك شهدت تطورات لا ينكرها أحد، ولكنها كانت مغلقة على أبناء الجنوب ولم يشمل خيرها بقية المناطق التي عاشت في عزلة تامة.
ولذلك لا ينبغي أن نتغنّى بمرحلة الاستعمار، ولا أن نشعر بالذنب لرحيله، كما لا يجوز أن نحمّل الرعيل الأول من مناضلي ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، ولا أولئك الشهداء الأبرار الذين قدّموا أرواحهم رخيصة في سبيل الحرية، مسؤولية ما تلا الاستقلال من أحداث وصراعات.
فثورة أكتوبر كانت فعلاً تاريخياً عظيماً، ومفصلاً حاسماً في مسيرة التحرر الوطني في جنوب الوطن، انطلقت شرارتها من جبال ردفان الشمّاء عام 1963 ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على أرضنا أكثر من 129 عاماً، حكم خلالها بالحديد والنار، ونهب الثروات، وقسّم البلاد إلى سلطنات ومشيخات متناحرة، وأخضع أبناءها لسياسة “فرّق تسد” التي أضعفت الوحدة الوطنية وأعاقت التنمية والتعليم.
لقد أدرك الشعب الجنوبي مبكراً أن لا سبيل إلى الكرامة إلا بالتحرر، فهبّت القبائل في انتفاضاتها العديدة في رُبيز بقيادة البطل علي سالم لعور وفي يافع بقيادة السلطان الثائر محمد بن عيدروس وفي الصبيحة وغيرها، ثم جاءت ثورة 14اكتوبر وتوحدت الصفوف، وامتزجت دماء أبناء الجنوب في كل الجبهات من ردفان إلى الضالع، ومن يافع إلى أبين وعدن وحضرموت والمهرة. كانت ثورة أكتوبر ثمرة وعيٍ وطنيٍّ جمعيٍّ وإرادة شعبية صلبة، جسّدها الرعيل الأول من الثوار والمناضلين الذين صمدوا في وجه آلة الاستعمار حتى تحقق النصر في 30 نوفمبر 1967، يوم رفرف علم الاستقلال لأول مرة على سماء عدن.
ومثلما لا يصح أن نحمّل ثوار أكتوبر وزر ما حدث بعد الاستقلال من أخطاء وصراعات سياسية رافقت مراحل بناء الدولة الوليدة، فإن من الظلم أيضاً أن نحمّل أبطال المقاومة الجنوبية وشهداءها في العام 2015م مسؤولية ما أعقب انتصارهم من اختلالات وفساد وإطالة لأمد الأوضاع الراهنة. فهؤلاء وهؤلاء قاتلوا في ظروف استثنائية، دفاعاً عن الأرض والكرامة والهوية، في وجه مستعمر بالأمس وغزو غاشم بالأمس القريب.
إن تقييم الأحداث ينبغي أن يكون بميزان منصف وقراءة تاريخية موضوعية لا تخضع للأهواء، ولا لأحكام الحاضر على الماضي. فما فعله المناضلون والثوار والمقاومون كان بدافع وطني خالص، من أجل التحرر، ومن أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وليس من أجل سلطة أو مغنم أو جاه.
فلنُعلّم أبناءنا وأجيالنا الجديدة أن ثورة أكتوبر لم تكن مغامرة سياسية، بل كانت ملحمة تحرر وطني، كتبت بدماء الشهداء وعرق الفلاحين والعمال والمثقفين والطلاب والنساء والرجال على حد سواء.
تحيةً لثوار أكتوبر الأبطال، والرحمة الواسعة لشهدائها الأبرار، وعهداً أن يبقى طريق الحرية الذي عبدوه بالدماء منارةً نهتدي بها جيلاً بعد جيل.


