« أم تي آي نيوز » تقرير : مريم بارحمة
زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في افتتاح أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وعقد سلسلة من اللقاءات الثنائية لوفد مجلس القيادة مع رؤساء الوفود المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لم تكن مجرد جولة روتينية أو نشاط دبلوماسي عابر، بل شكلت حدثًا استثنائيًا في مسار قضية الجنوب ونضال شعبه الوطني. كانت الزيارة لحظة مفصلية أظهرت أن الجنوب لم يعد مجرد متغير تابع في معادلة الأزمة اليمنية، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا يسعى لفرض قضيته على طاولة القرار الدولي. اللقاءات التي عقدها الزُبيدي مع أعضاء مجلس الأمن الدولي وكبار المسؤولين في الخارجية الأمريكية، إضافة إلى ظهوره الإعلامي البارز في القنوات الدولية، حملت رسائل سياسية قوية أكدت أن الجنوب حاضر على الساحة الدولية وأن تطلعات شعبه في الحرية والاستقلال باتت في صلب أي تسوية سياسية شاملة.
-السياق الإقليمي والدولي للزيارة
جاءت الزيارة في وقت بالغ الحساسية؛ إذ دخلت الأزمة اليمنية مرحلة دقيقة بعد سنوات من الحرب والصراع المسلح الذي استنزف اليمن والجنوب. بات المجتمع الدولي يدرك أن أي حل يفرض بالقوة أو يتجاهل المطالب الحقيقية للجنوبيين لن يصمد طويلًا، وسيعيد إنتاج دورات العنف والفوضى. ومع الحراك الدبلوماسي المكثف الذي تقوده الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لدفع العملية السياسية، برزت الحاجة إلى إشراك جميع القوى الفاعلة على الأرض، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره الحامل السياسي الأبرز لقضية شعب الجنوب.
كما تشهد المنطقة تحولات كبرى، من إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية إلى التهدئة في ملفات ساخنة كالأزمة الخليجية والتقارب السعودي–الإيراني، ما جعل الملف اليمني نقطة اختبار لمدى قدرة القوى الدولية على إنتاج تسوية شاملة. وفي خضم هذه الترتيبات، جاء حضور الرئيس الزُبيدي ليؤكد أن الجنوب لن يكون الحلقة الأضعف ولا مجرد متفرج، بل شريك فاعل يملك رؤية واضحة لمستقبل البلاد والمنطقة.
ـلقاءات الزُبيدي مع مجلس الأمن وصُنّاع القرار
كانت أبرز محطات الزيارة الاجتماعات المكثفة التي عقدها الرئيس الزُبيدي مع ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، حيث طرح رؤية متكاملة لحل قضية شعب الجنوب كجزء من التسوية الشاملة للأزمة اليمنية. شدد على أن أي حل يتجاهل حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم سيقود إلى فشل جديد ويعيد البلاد إلى مربع الصراع. ركّز في مداخلاته على ضرورة تضمين قضية الجنوب كبند رئيسي في أي مفاوضات سلام مستقبلية، داعيًا إلى إشراك ممثلي الجنوب الحقيقيين، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتبارهم أصحاب الأرض والقادرين على فرض الأمن والاستقرار.
كما ناقش الرئيس الزُبيدي مع كبار مسؤولي الخارجية الأمريكية أهمية دعم جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها القوات المسلحة الجنوبية، مؤكدًا أن الجنوب أثبت كفاءته في دحر التنظيمات الإرهابية التي كانت تهدد أمن المنطقة والعالم. وأوضح أن تمكين القوات الجنوبية من حماية أرضها وشعبها هو الضمانة الأساسية لمنع عودة الجماعات المتطرفة وإغلاق الفراغات الأمنية التي تستغلها المليشيات الحوثية والتنظيمات الإرهابية.
ـالحضور الإعلامي وتوجيه الرأي العام الدولي
لم يكن الحضور الإعلامي للرئيس الزُبيدي أقل أهمية من اللقاءات الرسمية، إذ ظهر في كبرى القنوات الأمريكية والدولية بخطاب متزن وعقلاني بلغة سياسية مدروسة، مؤكدًا أن قضية الجنوب ليست مجرد نزاع داخلي، بل قضية شعب يسعى لاستعادة دولته وسيادته، وأن الجنوب قادر على أن يكون عامل استقرار إقليمي لا مصدر تهديد.
نجح الزُبيدي في كسر الحصار الإعلامي المفروض على الجنوب منذ سنوات، ونقل للرأي العام الدولي حقيقة ما يجري، بعيدًا عن حملات التضليل التي تشنها أبواق الاحتلال اليمني والإعلام المعادي للمشروع الجنوبي. هذا الحضور الإعلامي أعاد رسم صورة الجنوب في أذهان كثير من صُنّاع القرار والمراقبين الدوليين، وجعل قضية الجنوب أكثر وضوحًا وارتباطًا بمصالح الأمن والسلم الدوليين.
ـالأبعاد السياسية والدبلوماسية للزيارة
سياسيًا، مثلت الزيارة اعترافًا عمليًا بوزن المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي لقضية الجنوب، وأكدت أن أي محاولات لتجاوزه أو فرض ممثلين بدلاء عن الجنوب لن تنجح. كما فتحت الزيارة قنوات تواصل دائمة بين المجلس الانتقالي وصُنّاع القرار في واشنطن ونيويورك، ما يعني امتلاك المجلس أدوات تأثير مباشرة على مسار العملية السياسية.
دبلوماسيًا، عززت الزيارة صورة الجنوب كفاعل موثوق يمكن الاعتماد عليه في حفظ الأمن الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب. وبات المجتمع الدولي أكثر اقتناعًا بأن استقرار الجنوب شرط أساسي لحماية الممرات البحرية الاستراتيجية التي تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة العالمية.
-ردود الفعل الإقليمية والدولية
أحدثت الزيارة صدى واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي. فقد رحبت دول التحالف العربي الداعمة للشرعية بخطوات المجلس الانتقالي الهادفة إلى تعزيز حضوره الدولي، معتبرة ذلك دعمًا للجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار. وفي المقابل، أبدت القوى المعادية للجنوب قلقها من حجم الاهتمام الدولي بالقضية الجنوبية، ورأت فيه تهديدًا لمشاريعها الرامية إلى إبقاء الجنوب تابعًا.
أما على المستوى الشعبي، فقد قوبلت الزيارة بترحيب واسع في مختلف محافظات الجنوب، حيث علت الدعوات لدعم خطوات الرئيس الزُبيدي ومساندة جهوده الدبلوماسية التي تعبر عن إرادة الشارع الجنوبي. هذا الالتفاف الشعبي منح المجلس الانتقالي مزيدًا من الشرعية الداخلية، وأكد للمجتمع الدولي أن المجلس لا يمثل نفسه فقط، بل يعبر عن الإرادة الجمعية لشعب الجنوب.
-تحوّل استراتيجي
من منظور تحليلي، يمكن اعتبار زيارة الرئيس الزُبيدي إلى الولايات المتحدة تحولًا استراتيجيًا نقل قضية الجنوب من الإطار المحلي إلى فضاء السياسة الدولية. الجنوب اليوم لم يعد قضية هامشية في سياق الصراع اليمني، بل أصبح ركيزة أساسية لأي تسوية قادمة. وأدرك المجتمع الدولي أكثر من أي وقت مضى أن الجنوب المستقر والآمن يعني منطقة مستقرة، وأن تجاهل مطالب الجنوبيين سيقود إلى انفجار جديد لا تتحمله المنطقة.
كما حملت الزيارة رسالة قوية إلى القوى اليمنية التي ما تزال تراهن على إقصاء الجنوب أو فرض مشاريع أحادية، مفادها أن الجنوب لن يقبل العودة إلى ما قبل 2015، وأنه مستعد للدفاع عن حقه بكافة الوسائل السياسية والعسكرية. المجلس الانتقالي بقيادة الزُبيدي قدّم نفسه كلاعب عقلاني قادر على إنتاج السلام وضمان الأمن، لا كطرف متشدد يسعى إلى التصعيد، وهو ما أكسبه مزيدًا من المصداقية أمام المجتمع الدولي.
-ما بعد الزيارة
تشير التوقعات إلى أن حضور المجلس الانتقالي في أي مفاوضات سلام سيكون أقوى، وأن المجتمع الدولي سيضطر للتعامل مع مطالبه بجدية أكبر. فتحت هذه الزيارة الباب أمام مزيد من التحركات الدبلوماسية على مستوى عواصم القرار، بما فيها العواصم الأوروبية المؤثرة، تمهيدًا لخلق إجماع دولي حول حل شامل ينهي الصراع ويضمن حق الجنوب في تقرير مصيره.
إن زيارة الرئيس عيدروس الزُبيدي إلى الولايات المتحدة شكلت علامة فارقة في مسار النضال السياسي الجنوبي، وأكدت أن قضية الجنوب باتت في قلب الاهتمام الدولي. لقد نجح القائد الزُبيدي في جعل صوت الجنوب مسموعًا على أرفع المنابر، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه شعب يناضل من أجل حريته واستقلاله. هذه الزيارة ليست نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي والسياسي المكثف، عنوانها أن الجنوب شريك أساسي في صناعة مستقبل اليمن والمنطقة، وماضٍ بثقة نحو استعادة دولته الجنوبية وبناء نظام سياسي حديث يعكس إرادة شعبه ويحافظ على مصالح المجتمع الدولي في الاستقرار والسلام.
