« أم تي آي نيوز » كتب : د. عارف محمد عباد السقاف.
شهدت مناطق الحكومة الشرعية خلال الأيام الماضية صعودا مفاجئا في قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، خاصة أمام الريال السعودي والدولار الأمريكي. هذا الارتفاع السريع والمفاجئ لا يبدو مرتبطا بعوامل اقتصادية واضحة مثل تحسن الإنتاج، أو زيادة الصادرات، أو تدفقات مالية خارجية، بل يعكس تحركات داخلية ترتبط بالمضاربة، والإجراءات الرقابية، والتطورات المؤسسية.
التحركات في سوق الصرف اليمني تبدو مدفوعة بشكل أساسي بالمضاربات اليومية التي تدور في فلك شبكات من محلات الصرافة، كثير منها لا يخضع لأي رقابة فعلية. هؤلاء الصرافون، بتحديدهم لأسعار البيع والشراء دون التزام فعلي بتوجيهات البنك المركزي، يلعبون الدور الأبرز في تحديد قيمة العملة الوطنية، وهو ما أدى سابقا إلى انهيارات سريعة للعملة، ويبدو أنه اليوم يلعب دورا في صعودها.
البنك المركزي اليمني في عدن تحرك مؤخرا بحزمة إجراءات كان لها تأثير مباشر في السوق، منها:
إغلاق محلات صرافة غير مرخصة ومخالفة لأنظمة البنك، مما ساهم في كبح فوضى المضاربة.
استكمال الربط الشبكي بين البنك المركزي والبنوك و محلات الصرافة، وهي خطوة نوعية تضع عمليات بيع وشراء العملات تحت رقابة إلكترونية مباشرة.
تفعيل لجنة إشرافية على الاستيراد من الخارج، تهدف إلى تنظيم عمليات شراء الدولار والحد من التلاعب به من قبل التجار.
انتقال مقرات بعض البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن، أسهم في تعزيز حضور القطاع المصرفي في العاصمة عدن، وهو ما قد يشير إلى استعادة جزئية للثقة بالمؤسسات المصرفية الرسمية هناك، وهو أمر ينعكس إيجابا على استقرار العملة.
لا يمكن إغفال الحراك الشعبي الذي شهدته وتشهده مدينة المكلا وبعض المدن الاخرى مؤخرا احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والخدمية، والذي ربما دفع السلطات إلى التحرك بشكل أكثر جدية، تزامنا مع أنباء عن طلب وديعة مالية جديدة لدعم العملة الوطنية.
ورغم أن العوامل السابقة تفسر جزئيا ما حدث، فإن وتيرة الصعود السريعة تثير الشكوك حول وجود خفايا قد تكون مرتبطة بتحركات مالية آنية أو اتفاقات خلف الكواليس. ومع ذلك، فإن استمرار البنك المركزي في تنفيذ الإجراءات الصارمة ضد الصرافين غير المرخصين قد يدفع قيمة الريال إلى مزيد من التحسن.
التوقع الواقعي – بحسب المعطيات الحالية – أن يصل سعر صرف الريال مقابل الريال السعودي إلى حدود تتراوح بين 450 و500 ريال الى نهاية أغسطس، بشرط استمرار الرقابة واستقرار السوق.
من وجهة نظري، فإن هذا التحسن في قيمة الريال، رغم كونه مفاجئا وغير مبني على أسس اقتصادية متينة، إلا أنه يشكل فرصة أمام البنك المركزي والحكومة لتثبيت حالة الاستقرار واستغلالها في إعادة بناء الثقة بالعملة الوطنية. لكن استمرار تجاهل الأسباب الهيكلية لانهيار الاقتصاد، وغياب الشفافية في إدارة الموارد، سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر. المطلوب ليس فقط السيطرة على السوق، بل بناء اقتصاد حقيقي يعتمد على الإنتاج، لا على إغلاق محلات صرافة هنا، وطلب وديعة هناك.
وحتى ذلك الحين، يبقى علينا كمراقبين متابعة خطوات البنك المركزي، وما إذا كان هذا الصعود سيكون بداية لاستقرار طويل الأمد، أم مجرد هدنة مؤقتة تسبق جولة أخرى من التراجع.
