« أم تي آي نيوز » تقرير » متابعات
عندما سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء وميناء الحديدة قبل نحو عقد، أدركت سريعاً أن السيطرة على البنزين والديزل قد تكون أهمّ من السيطرة على الأرض. فالنفط، لا الأرض، هو الذي يسلِّح المقاتلين ويموّل قادة الصف الأوّل. ويؤكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أنّ الجماعة حوّلت تجارة المشتقات النفطية إلى ماكينة نقدية هائلة تدرّ ما بين 2.5 و3 مليارات دولار سنوياً. هذه العوائد لا تأتي فقط من البيع المباشر، بل تتضاعف عبر شبكة ضرائب ورسوم مُبتَدَعة وسوق سوداء متشعّبة، وصولاً إلى شحنات الوقود المجانية القادمة من طهران عبر البحر الأحمر.
الإرياني يكشف أنّ نصف واردات الجماعة من الوقود والغاز المنزلي تصل إليها بلا مقابل تقريباً: أكثر من ملياري لترٍ هُرّبت بين إبريل 2022 وأغسطس 2023، ثم أعيد بيعها بأسعار تتجاوز السعر الرسمي أضعافاً، فحققت عائداً إضافياً قُدّر بـ1.57 مليار دولار ذهب مباشرة إلى خزائن قيادات الجماعة. ولإدراك حجم الفارق، يكفي النظر إلى سعر صفيحة البنزين (20 لتراً) في مناطق الحوثيين؛ فهي تباع بنحو 18.7 دولار، مقابل 10.3 دولار فقط في المناطق المحرَّرة. وفيما يدفع المواطن في صنعاء نحو 13 دولاراً لأسطوانة الغاز، لا تتجاوز الكلفة 3.4 دولار في عدن. النتيجة أنّ الوقود غدا «ضريبة حرب» غير معلَنة تُستقطع من جيوب اليمنيين لتغذية جبهات القتال وكشوف رواتب المقاتلين وتجنيد الأطفال.
هذا الانحراف الاقتصادي لا يقتصر على الأسعار المرهِقة؛ فالجماعة تفرض رسوماً جمركية وضريبية تصل إلى 120 دولاراً على كل طنّ بنزين يدخل عبر ميناء الحديدة، ما مكّنها من جمع قرابة 374 مليون دولار في 18 شهراً فقط. وتقدّر مبادرة «استعادة» المستقلة أنّ الضرائب والرسوم التي حصدها الحوثيون من واردات الوقود بين مايو 2023 ويونيو 2024 بلغت نحو 789 مليون دولار، من دون أي إشراف حكومي أو أممي فعّال. وفي المحصلة، يُقدَّر أنّ ارتفاع سعر اللتر الواحد بمجرّد 100 ريال يمني (أقلّ من رُبع دولار) يحقّق للجماعة أرباحاً تتجاوز 400 مليار ريال خلال عام ونصف، في دولة يتقاضى فيها ملايين الموظفين رواتب متقطّعة أو معدومة.
تداعيات هذا الاحتكار تمتدّ إلى الاقتصاد الكلي. ارتفاع تكاليف النقل يرفع تلقائياً أسعار الغذاء والسلع الأساسية؛ مصانع صغيرة ومتوسطة أُغلقت، ومزارعون هجَروا أراضيهم بعدما أصبح تشغيل المضخات أمراً مكلفاً، فيما تواصل البطالة قفزاتها القياسية. ويصف اقتصاديون يمنيون تجارة الوقود في مناطق الحوثيين بأنّها «القطاع الأكثر ربحية والأقل شفافية» على الإطلاق، نظراً لغياب أي أدوات رقابية تُلزم الجماعة بعرض حساباتها أو توجيه الإيرادات إلى الخدمات العامة أو رواتب الموظفين.
على هذه الخلفية، يناشد الإرياني المجتمع الدولي كبح «اقتصاد الحرب» عبر تشديد الرقابة على السفن المتجهة إلى الحديدة، وتفعيل آليات التحقّق من الواردات، ومنع التهريب البحري الإيراني، وتحويل مسار الاستيراد إلى موانئ تخضع للحكومة الشرعية. ويحذّر من أنّ استمرار الوضع يعني عملياً توفير بيئة مالية مستقرة لجماعة مدرَجة على لوائح الإرهاب الأميركية، وإطالة أمد الصراع وتقويض أي مسار سياسي أو إنساني للحلّ. فـ«وقف الحرب في اليمن»، كما يقول، «لن يتحقّق ما لم يُقطع شريان تمويلها».
الولايات المتحدة كانت قد فرضت بالفعل عقوبات على شبكات تهريب نفطية إيرانية وشركات يملكها قادة حوثيون، لكن الحكومة اليمنية تصف الخطوات بالمحدودة في ظل استمرار تدفق السفن إلى الحديدة من دون رقابة أممية صارمة. وفيما يواصل المجتمع الدولي مناشداته لخفض حدّة الأزمة الإنسانية، يظلّ وقود الحرب يشتعل في خزّانات الجماعة، فيما يدفع اليمنيون الثمن مضاعفاً: وقوداً مُضاعَف الكلفة، وحرباً مُضاعَفَة الأمد.
