« أم تي آي نيوز » هدى رؤوف
في حال تدخلت واشنطن لضرب إيران، بخاصة مفاعل فوردو ستصعد طهران من أوراق الضغط لديها والتي ستكون تهديد الملاحة في الممرات المائية كمضيق هرمز أو دفع الحوثيين إلى إحداث توترات في باب المندب والقرن الأفريقي، بهدف خلق اضطرابات في سوق الطاقة العالمية والأسعار والتأثير في الأسواق المالية.
ربما من المبكر استنتاج إلى ماذا ستنتهي الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل الآن، ولا سيما أن الحرب ما زالت مستعرة وفي كل دقيقة هناك جديد يطرأ. لكن يمكننا أن نفهم لماذا بدأت الحرب وكيف تفكر إسرائيل وإيران، وما هي الأهداف لكل طرف.
باغتت إسرائيل إيران بهجوم غير مسبوق منذ الحرب العراقية- الإيرانية، استهدفت من خلاله كبار القادة العسكريين والأمنيين وعدداً من العلماء النوويين، كما شنت هجماتها على منشآت نووية وعسكرية، وجاءت الضربة الإسرائيلية مفاجئة قبل الجولة السادسة من المفاوضات الإيرانية- الأميركية التي لاقت الجولات السابقة منها ردود فعل إيجابية من الطرفين، إلى أن ظهرت للعلن القضية الخلافية في شأن المطلب الأميركي التخصيب الصفري والمطلب الإيراني ضمان التخصيب المحلي.
وخلال الشهرين عارض الرئيس الأميركي علناً هجوماً إسرائيلياً على المواقع النووية الإيرانية، لكن في اليوم الـ61 بعد انتهاء مهلة الشهرين التي أعطاها ترمب لطهران، نفذت إسرائيل عملية واسعة النطاق والكثافة.
وأظهر هذا الهجوم قائمة من الإخفاقات الإيرانية، وكان من أكبرها الاختراق الاستخباراتي الأمني، إذ تمكن “الموساد” من إنشاء خلايا نائمة في إيران، ولا بد من أن ذلك استغرق منهم أعواماً، كما كان لدى إسرائيل ما يكفي من المتعاونين لتهريب معدات متطورة مثل صواريخ “سبايك” المضادة للصواريخ إلى إيران، وفي اللحظة الأخيرة جرى إنزال أو تهريب عملاء “الموساد” من فرقة “تسوميت”، إلى جانب عملاء آخرين من القوات الخاصة، إلى إيران لتنسيق ضربات على راداراتها وصواريخ “سام”، فلم يكُن الإسرائيليون بحاجة إلى وقت طويل لإغراق أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية متوسطة وطويلة المدى.
في ظل هذا كان على إيران أن تتحرك سريعاً لتثبت أنها ما زالت تملك القدرة العسكرية على الرد وأنها قادرة على اتخاذ القرار وترميم هيكل قياداتها بعد استهداف كبار قادة النظام، ولأنها تريد العودة للمحادثات فوراً مع واشنطن لتجنب مواجهة شاملة مع إسرائيل ولن تتمكن من العودة لطاولة المفاوضات قبل أن ترد عسكرياً على إسرائيل وإلا ستكون في موضع المهزوم.
وسط الأحداث تلك لم تغلق إيران باب المفاوضات وأعلنت على لسان الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية والمتحدث باسم وزارة الخارجية أنه إذا توقف الهجوم ستعود للمحادثات، ومع ذلك أظهر ترمب مباركته للضربات الإسرائيلية، فربما يعتبر ترمب أن إسرائيل ستمنحه فرصة التفاوض مع طهران مستسلمة ومهزومة، لا تتفاوض من أجل ضمان تخصيب اليورانيوم إنما من أجل بقاء النظام، مما حدث بالفعل حينما غرد ترمب أنه يعرف مكان المرشد الإيراني لكنه لن يستهدفه.
ويمكن استنتاج ملامح الصفقة الأميركية أن تستسلم إيران لمطالب الولايات المتحدة والخاصة بتفكيك برنامجها النووي والتخلص من ترسانة الصواريخ الباليستية والمسيّرات التي لديها للحفاظ على بقاء النظام الحالي.
لذا كانت الضربات الإسرائيلية تستهدف منشآت نووية وعسكرية خاصة بالقدرات الصاروخية وأخرى مدنية، من أجل مضاعفة الخسائر في صفوف المدنيين وتوليد ضغط شعبي في مواجهة النظام للخروج عليه، لذا كانت أيضاً الضربات الإسرائيلية على قوات “الباسيج” المنوط بها اعتقال المواطنين وقت التظاهرات.
وفي مواجهة محاولات نتنياهو دفع ترمب إلى دخول الحرب، تصعد إيران وتحذر الرئيس الأميركي من أن دخول المعركة إلى جانب إسرائيل سيجعلها تصعد عسكرياً. وتعي إيران أن دخول واشنطن الحرب إلى جانب إسرائيل سيحسم المعركة لغير مصلحتها ويقضي على قدراتها العسكرية والنووية، وربما ينهار النظام، لذا فإنها مقيدة في خياراتها تجاه الرد الإسرائيلي، تتدرج في استخدام قدراتها الصاروخية لكن بصورة تضمن لها عدم استنزاف مخزونها الذي قد تحتاج إليه إذا تدخلت واشنطن في الحرب، كما هناك بعض القيود التشغيلية المرتبطة بسيادة إسرائيل الجوية داخل إيران وضرب إسرائيل لكثير من منصات إطلاق الصواريخ، فليست هناك جدوى لمخزون الصواريخ إذا لم يكُن هناك العدد الكافي من منصات الإطلاق.
من جهة أخرى أحدثت الصواريخ الباليستية الإيرانية خسائر داخل إسرائيل، لكنها ليست بالقدر الذي أحدثته الهجمات الإسرائيلية على إيران، لكن كان على إيران أن ترد بحذر من جهة أنها لا تريد استفزاز الولايات المتحدة للتدخل وتحقيق ما يريده نتنياهو، ومن جهة أخرى هناك الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وتتحرك إيران في أكثر من مسار من بينها المسار العسكري لتصل إلى مرحلة استنزاف لقدراتها ولقدرات إسرائيل، وهناك المسار الدبلوماسي والتواصل مع جيرانها من دول الخليج ومصر وتركيا من أجل دفع المسار الدبلوماسي، ودانت تلك الدول الهجوم الإسرائيلي انطلاقاً من مبادئ حسن الجوار وتحريم انتهاك سيادة الدول الأخرى وأن من الأجدر تناول الملف النووي الإيراني والباليستي عبر المسار الدبلوماسي وليس المسار العسكري الذي سيجلب الاضطرابات وعدم الاستقرار لدول المنطقة. فيمكن لتلك الدول أن تكثف المحادثات والمسارات الدبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا لوقف الهجوم وربما بدء مفاوضات إقليمية تتناول ملف الانتشار النووي في المنطقة ككل، وهناك أيضاً دور الصين وروسيا حليفتا إيران.
وفي ظل هذه المسارات تدرك إيران أن معركتها الآن هدفها الأساس الحفاظ على بقاء النظام، لذا ستستمر المواجهات مع إسرائيل إلى أن تستنزف قدرات الطرفين، ثم تتدخل واشنطن لوقف الهجوم.
وفي حال تدخلت واشنطن لضرب إيران، بخاصة مفاعل “فوردو”، ستصعد طهران من أوراق الضغط لديها والتي ستكون تهديد الملاحة في الممرات المائية كمضيق هرمز أو دفع الحوثيين إلى إحداث توترات في باب المندب والقرن الأفريقي، بهدف خلق اضطرابات في سوق الطاقة العالمية والأسعار والتأثير في الأسواق المالية.
كما من الممكن أن تستهدف بعض الأصول والمصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، وربما تدفع وكلاءها إلى التدخل مثل “حزب الله”، على رغم أنه في مرحلة تعافٍ من حرب إسرائيل عليه، كما أنه مقيد بالقيادة اللبنانية التي تريد النأي بالنفس عما يحدث، ولكن قد يتدخل حال أصبح بقاء النظام الإيراني مهدداً وكذلك الحال بالنسبة إلى الميليشيات العراقية.
كما تهدد إيران بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي ولكن من غير المحتمل أن تقدم على هذه الخطوة التي ستمنح إسرائيل حجة لضرب كل المنشآت بذريعة أن لدى طهران سلاحاً نووياً، ومن ثم تريد إظهار أنها ما زالت ضمن إطار الشرعية الدولية ولديها ضمانات قانونية وسياسية تجاه استهداف منشآتها وأنه يمكن للمفتشين الدوليين الوصول إلى تلك المنشآت، لذا تراجع مجلس الشورى الإيراني عن تلك الخطوة واقترح سلسلة من الشروط والإجراءات، وإذا لم تتحقق، فستنسحب إيران من المعاهدة، ومن بين الشروط المقترحة مسألة عدد المفتشين في إيران، أي إن عدد المفتشين يفوق العدد المسموح به، أو أن بعض المهمات التي سمحت لهم بها وكالة الطاقة الذرية تتجاوز المهمة التي كلفهم بها القانون الدولي.
في المجمل وعلى رغم أن مألات التصعيد بين إيران وإسرائيل غير واضحة إلى الآن، لكن في حال بقي النظام فمن المؤكد أن إسرائيل لن تتوقف عن هدف أساس هو التخلص من قدراته الصاروخية التي وصلت إلى تل أبيب وحيفا وأوقعت بعض الخسائر، كما أن إيران ستعمل على إعادة بناء تسليحها وستركز بصورة أكبر على شراء صواريخ “سام” من روسيا والصين بدلاً من شراء طائرات مقاتلة، كما ستعمل على إعادة بناء أجهزتها الأمنية على نحو يعالج الخلل الاستخباراتي والأمني ووجود شبكة عملاء في الداخل، مما يعنى مزيداً من الانغلاق والتضييق على المواطنين وزيادة الفجوة بينهم والنظام.
