الخميس, يونيو 19, 2025
الرئيسيةاخبار عربية و دوليةهل تجد روسيا نفسها مضطرة للنأي بنفسها عن الحرب ضد إيران؟

هل تجد روسيا نفسها مضطرة للنأي بنفسها عن الحرب ضد إيران؟

« أم تي آي نيوز » اندبندنت العربية

أبلغ بوتين خامنئي بنتائج المحادثة مع ترمب، وأمر بإجلاء موظفي السفارة الروسية من طهران، مما يدل على خطورة الوضع.

بين ليلة وضحاها تحول الرئيس الروسي من صديق وحليف مفترض لإيران، بموجب معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين البلدين قبل أشهر قليلة، إلى ناقل لتحذيرات الرئيس الأميركي للقيادة الإيرانية، إذ أكدت وسائل إعلام روسية وأجنبية أن بوتين حذر خامنئي بصورة عاجلة من وجود تهديد لنظام حكمه مباشرة بعد حديثه مع ترمب.

خلال العقود الأخيرة سعت روسيا للحفاظ على علاقات ودية مع كل من تل أبيب وطهران في الوقت نفسه، لكن الضربات الإسرائيلية على إيران وضعت موسكو ضمن موقف صعب وخيارات محدودة تتطلب مهارات دبلوماسية خاصة للحفاظ على علاقات ودية مع كلا الجانبين، منها أن تصبح وسيطاً مؤثراً لإنهاء المواجهة.

منذ اليوم الأول خلف الصراع بين إسرائيل وإيران أولى عواقبه، وإن كانت طفيفة نسبياً على روسيا. فقد توقفت فعاليات “أيام الثقافة الروسية” في إيران فجأة، فيما لا يزال 51 موسيقياً من أوركسترا البولشوي عالقين داخل أصفهان. ويبدو أنهم سيضطرون للعودة إلى موسكو عبر طرق بديلة.

بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمثل الحرب شرخاً أيديولوجياً ودبلوماسياً خطراً، لذلك واصل تصوير نفسه وروسيا كشريك دولي فعال وضروري للولايات المتحدة وسط الحرب المستمرة بين إيران وإسرائيل. وصرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال الـ14 من يونيو (حزيران) الجاري بأنه وبوتين تحدثا عبر الهاتف لأكثر من ساعة حول الضربات الإسرائيلية-الإيرانية المستمرة، وقضيا وقتاً “أقل بكثير” في الحديث عن أوكرانيا مقارنة بإيران.

وصرح المساعد الرئاسي الروسي يوري أوشاكوف خلال ذلك اليوم بأن بوتين وترمب تحدثا بصورة أساس عن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، قائلاً إن بوتين أعرب عن قلقه إزاء تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل وعرض مساعدة روسيا في التفاوض على تسوية سلمية.

بوتين يعرض وساطة سلام ويصعد الحرب!

واللافت كشف ترمب عن أنه ذكر بوتين بأن الحرب ضد أوكرانيا يجب أن تنتهي خلال المكالمة، مع أن مختلف الخبراء رجحوا أن يحاول بوتين الاستفادة من الحرب الإسرائيلية-الإيرانية لصرف الانتباه عن حربه المستمرة ضد أوكرانيا من خلال عرض مساعدة الولايات المتحدة في التوسط ضمن الوضع المتأزم داخل الشرق الأوسط، على رغم أن هذه الحرب تخدم أهداف الرئيس الروسي في التغطية على قضم جيشه المتواصل يومياً للأراضي الأوكرانية من جهة، وعلى رفع أسعار مواد الطاقة ولا سيما النفط الذي يعد مورداً أساساً للموازنة الروسية من جهة ثانية.

وفور انتهاء المكالمة الهاتفية بين بوتين وترمب، شنت روسيا هجوماً كبيراً بطائرات مسيرة وصواريخ على أوكرانيا ليلة الـ14 من يونيو الجاري، مستهدفة بصورة أساس منطقة بولتافا.

وأفاد مسؤولون أوكرانيون بأن الضربات استهدفت بصورة رئيسة البنية التحتية للطاقة والزراعة والمدنية في مقاطعة بولتافا. وصرح رئيس الإدارة العسكرية لمقاطعة بولتافا فولوديمير كوهوت بأن القوات الروسية أطلقت طائرات من دون طيار وصواريخ على منشآت البنية التحتية للطاقة والزراعة داخل كريمنشوك، وعلى البنية التحتية المدنية في تشوتيفسكي بمقاطعة بولتافا، إلا أن وزارة الدفاع الروسية قالت إن القوات الروسية استهدفت مصفاة نفط في مقاطعة بولتافا.

تحذير خامنئي

بين ليلة وضحاها تحول الرئيس الروسي من صديق وحليف مفترض لإيران بموجب معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين البلدين قبل أشهر قليلة، إلى ناقل لتحذيرات الرئيس الأميركي للقيادة الإيرانية. فقد أكدت وسائل إعلام روسية وأجنبية أن بوتين حذر خامنئي بصورة عاجلة من وجود تهديد لنظام حكمه مباشرة بعد حديثه مع ترمب.

وذكرت وسائل إعلام روسية أن ترمب قال لبوتين خلال المحادثة الهاتفية الأخيرة، إن الولايات المتحدة لن تكبح جماح إسرائيل في حربها مع إيران.

وأضافت أن الرئيس الروسي اتصل بالرئيس الأميركي بناءً على طلب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وبعد المحادثة مباشرة حذر بوتين طهران من وجود تهديد جدي ومحدق لوجود النظام الإيراني الحالي، لأن الولايات المتحدة لا تنوي احتواء إسرائيل.

وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم”، أكد بوتين خلال المحادثة مع خامنئي أن نظامه في خطر وأوصاه بشدة ببدء المفاوضات على الفور. وبحسب الصحافيين، أوضح رئيس الولايات المتحدة أنه لن يقيد تصرفات إسرائيل في الصراع مع إيران. وبعد ذلك، أبلغ بوتين خامنئي بنتائج المحادثة وأمر بإجلاء موظفي السفارة الروسية من طهران، مما يدل على خطورة الوضع. وعلى هذه الخلفية أكد ترمب ضمن مقابلة مع شبكة “أي بي سي نيوز” أن الرئيس الروسي عرض التوسط في حل الصراع. وقال إنه مستعد، مضيفاً “لقد اتصل بي في هذا الشأن وتحدثنا لفترة طويلة”.

وفي إشارة واضحة إلى رفض إسرائيل ليس فقط الوساطة الروسية، بل ومبدأ الجنوح نحو السلام مع إيران، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أمس الثلاثاء الـ17 من يونيو، إن روسيا تلاحظ رفض إسرائيل الدخول في مسار سلمي لتسوية النزاع مع إيران وعدم رغبتها في اللجوء إلى وساطة لحل الأزمة.

وأوضح بيسكوف في إفادة صحافية أن الرئيس الروسي أعرب خلال وقت سابق عن استعداد موسكو لتقديم وساطتها في هذا الصدد، إذا اقتضت الحاجة. وتابع “تعلمون أن الجانب الروسي أظهر استعداده لتقديم خدمات الوساطة إذا لزم الأمر، إلا أن ما نشهده حالياً هو غياب أية رغبة من جانب إسرائيل للجوء إلى الوساطة أو للانخراط في مسار سلمي”.

وأشار بيسكوف إلى أن رد فعل المجتمع الدولي على الهجمات الإسرائيلية على إيران كان “درساً جيداً جداً” للجميع. وقال رداً على سؤال حول ما إذا كان الكرملين انتبه إلى حقيقة أن ما حدث لم يستلزم أية عقوبات على إسرائيل، وأن دولاً قليلة فقط دانت تل أبيب، قال “بالطبع، أولينا هذا الأمر اهتماماً، وما زلنا نوليه اهتماماً”. وتابع “نرى أن المجتمع الدولي منقسم في تقييمه لما يحدث إلى معسكرين، أحدهما دان منذ البداية ما يحدث، وآخر دعمه وحاول تبريره. نحن نقر بذلك. بالطبع، هذا درس جيد جداً للجميع”. أما بخصوص رد فعل الكرملين، فصرح قائلاً “ندين الإجراءات التي أدت إلى هذا التصعيد الخطر للتوتر”. ووفقاً لبيسكوف، فإن المجتمع الإيراني “يشهد تماسكاً ملحوظاً في ظل الهجمات الإسرائيلية”. وقال معلقاً على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن أي هجوم على إيران قد يؤدي إلى تغيير في موازين القوى في البلاد، “نلاحظ تماسكاً ملحوظاً في المجتمع الإيراني على خلفية التفجيرات التي نفذها الجانب الإسرائيلي”.

وفي السياق، أكد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن نظيريه الروسي بوتين والصيني شي جينبينغ هما الزعيمان الوحيدان القادران على وضع حد للصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل.

أجواء حرب

ويبدو أن ترمب نفسه جنح نحو التشدد تجاه إيران، فبعد محادثته مع بوتين غرد مطالباً طهران بالاستسلام من دون قيد أو شرط، وطالب الإيرانيين بضرورة إخلاء طهران، كما غرد سابقاً قاصداً الحوثيين بكلمة “سنبيدكم”، وتحدثت تقارير أجنبية عن أن طائرات أميركية لتزويد الوقود رُصدت في سماء أوروبا متجهة إلى الشرق الأوسط برفقة طائرات حربية.

ومهما يكن من أمر، فإن تغريدته تدل على تمسك الرئيس الأميركي بمواصلة الحرب التي بدأتها إسرائيل في مواجهة إيران، حتى إخضاعها بالكامل وإنهاء برنامجها النووي وشل برنامجها الصاروخي.

وجاء هذا التشدد والاستعداد للتدخل في الحرب إلى جانب إسرائيل بعد يوم واحد من إعراب ترمب عن ثقته في التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وإيران، وتلميحه إلى أن الجانب الأميركي يعمل حالياً بنشاط على هذا الأمر، على غرار نجاحه أخيراً في التوصل إلى اتفاق بين الهند وباكستان، وإشارته إلى ترحيبه بعرض الرئيس الروسي التوسط في هذه الحرب.

وأكدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن التهديد النووي في منطقة الشرق الأوسط ليس مجرد تهديد افتراضي، بل يحمل في طياته بعداً عملياً. وقالت “كل هذا لا يؤدي فقط إلى التصعيد، بل إلى تهديد مباشر للمنطقة والعالم، نظراً إلى أن الضربات تتوجه ضد منشآت نووية أو ذرية سلمية. التهديد النووي ليس افتراضياً بل له بعد عملي”.

وحذرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية اليوم الأربعاء من كارثة نووية وشيكة داخل الشرق الأوسط، بسبب الضربات اليومية على البنية التحتية النووية الإيرانية.

وأوصت السفارة الروسية لدى إسرائيل مجدداً المواطنين الروس بمغادرة إسرائيل عبر المعابر الحدودية مع مصر والأردن، لحين عودة الأوضاع إلى طبيعتها.

دور بوتين مرتبط بالحرب الروسية – الأوكرانية

قبل بدء الحرب الإسرائيلية ضد إيران، وعلى خلفية المفاوضات التي كانت جارية بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط، انتشرت إشاعات داخل الصحافة الأميركية مفادها أن فلاديمير بوتين سيسهم في تحديد مصير الاتفاق، وقدم ترمب نفسه مبررات لهذا الافتراض. فبعد محادثة دامت قرابة ساعة ونصف الساعة بين الرئيسين صرح بأن الرئيس الروسي عرض شخصياً المساعدة في الحوار مع طهران، لكن الكرملين أكد أن ترمب نفسه طلب المساعدة من بوتين، وأن الأخير مستعد للمشاركة في حل القضية “حسب الحاجة”.

وخلال اليوم التالي، أصدرت شركة “روساتوم” الحكومية التي تحتكر النشاطات النووية داخل روسيا بياناً يفيد بأنها مستعدة “لحل أية مشكلات فنية” في حال إبرام الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. ويتعلق هذا على الأرجح بضرورة إزالة فائض اليورانيوم، الذي خُصب على مر الأعوام إلى مستويات تزيد على 3.67 في المئة. ووفقاً لأحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقدر احتياطات إيران من اليورانيوم “ما قبل صنع الأسلحة” وحده، المخصب إلى 60 في المئة، بنحو 400 كيلوغرام.

لموسكو خبرة في قضايا مماثلة. ففي الاتفاق السابق عام 2015، التزمت روسيا بإزالة الوقود النووي المستنفد من إيران، مما يضمن عدم استخدام طهران لهذه المواد لأغراض عسكرية، ومن ثم يبقى الكرملين الطرف الوحيد الذي يمتلك القدرة التقنية والإرادة السياسية للقيام بهذا الدور.

لكن المشكلة الرئيسة تكمن في أن روسيا لم تكن مهتمة كثيراً بالتوصل إلى اتفاق قبل بدء الحرب، لا سيما أن هكذا اتفاق سيرفع العقوبات عن إيران. فطالما استمرت القيود تبدو طهران شريكاً موثوقاً به في نظر موسكو، مما سيطور علاقاتها مع الجانب الروسي نظراً إلى قلة البدائل. وعلى عكس تركيا والصين، لا تولي طهران اهتماماً للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، نظراً إلى الظروف المتشابهة منذ أعوام عدة، وإذا رفعت القيود فقد تغير طهران موقفها.

كما أن القتال بين إسرائيل وإيران يصرف انتباه الغرب عن القضم الروسي لمزيد من الأراضي الأوكرانية، خلال الوقت المناسب تماماً، أي في وقت كانت فيه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تدرس فرض عقوبات جديدة صارمة على موسكو، التي تعتقد كييف وبعض الزعماء الأوروبيين أنها لا تهتم بالسلام وتحاول إطالة أمد العملية في محاولة لتحسين موقف قواتها داخل ساحة المعركة.

وهكذا لم تتخذ قرارات في شأن العقوبات وغيرها من القضايا المتعلقة بالحرب في أوكرانيا خلال قمة مجموعة السبع التي استمرت ثلاثة أيام وانتهت أمس، لأن الصراع الإسرائيلي-الإيراني دفع هذه الخطوات إلى الوراء. وفي المستقبل، قد ينافس الوضع في الشرق الأوسط الوضع في أوكرانيا من حيث الأسلحة والأموال والموارد الغربية الأخرى.

وركزت جهود الغرب لإضعاف الآلة العسكرية لموسكو على محاولة كبح عائداتها النفطية، لذا فإن ارتفاع أسعار النفط بصورة ملحوظة نتيجة الحرب بين إسرائيل وإيران يشكل انتكاسة لكييف وداعميها الساعين لتجفيف مصادر تمويل موسكو ومجمعها الصناعي العسكري.

ويأمل الكرملين في الاستفادة من العنف الجديد داخل الشرق الأوسط. وكتب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو رسلان بوخوف ضمن صحيفة “روسيسكايا غازيتا”، الحكومية الرسمية، “إلى جانب إيران نفسها، من المرجح أن تتكبد أوكرانيا أكبر ضرر عسكري وسياسي ضمن هذا الوضع”. وتوقع بوخوف أن “حرباً جديدة في الشرق الأوسط لن تشتت انتباه العالم عن حرب روسيا ضد أوكرانيا فحسب، بل ستسهم أيضاً على ما يبدو في إعادة توجيه الولايات المتحدة نحو تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل” وليس لأوكرانيا. وهذا ما شكا منه بالفعل الرئيس الأوكراني منتقداً توجيه البنتاغون صواريخ أرض-جو اعتراضية إلى الشرق الأوسط، بدل تسليمها إلى بلادها.

وبعيداً من إيران نفسها، فمن المرجح أن تعاني أوكرانيا أكبر الأضرار العسكرية والسياسية جراء هذا الوضع.

ويشير أيضاً إلى أن الضربات الإسرائيلية على إيران “ستقوض صحة أي انتقاد للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا”، وأن ارتفاع أسعار النفط “سيدمر آمال أوكرانيا وحلفائها داخل أوروبا الغربية في خفض عائدات روسيا من تصدير النفط”.

من ناحية أخرى، قد تتأثر الأسلحة التي تستخدمها روسيا ضد أوكرانيا، وتحديداً طائرات “شاهد” الإيرانية المسيرة بصورة مباشرة. ومع ذلك، تنتج روسيا الآن معظم طائرات “شاهد” المسيرة محلياً، وهي “تبتعد أكثر فأكثر من التصاميم الإيرانية الأصلية”، ووفقاً للخبيرة في شؤون روسيا والشرق الأوسط لحنة نوت فإن التأثير السلبي المحتمل في تحركات روسيا داخل أوكرانيا، من أي تصعيد جديد داخل الشرق الأوسط، “متواضع في أحسن الأحوال”.

خارج ساحة المعركة

علاوة على ذلك، فإن انشغال الولايات المتحدة بالحرب الإسرائيلية-الإيرانية ربما يعيد توجيه اهتمام الرئيس الأميركي في تحقيق أهداف بلاده من هذه الحرب، في الأقل خلال الوقت الحالي، وتقديم ذلك على جهوده الرامية إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي تستمر على رغم تصريحات ترمب خلال حملته الانتخابية بأنه قادر على حل المشكلة خلال يوم أو يومين.

وبين هذا وذاك، لم تبد موسكو أية حماسة لفكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران، لأن هذا السيناريو قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تشمل تفككاً جزئياً أو كلياً للنظام الإيراني. فقبل أسبوع واحد من بدء الحرب الإسرائيلية ضد إيران ذكرت السفارة الإيرانية لدى موسكو، بأن روسيا ستصبح أكبر مستثمر أجنبي داخل البلاد، وأن موسكو تخطط لاستثمار 8 مليارات دولار إضافية ضمن مشاريع النفط والغاز المحلية مستقبلاً. وهناك أيضاً عدد من المبادرات الأخرى، مثل استكمال بناء محطة بوشهر للطاقة النووية وإنشاء خط سكة حديد ضمن الممر الشمالي الجنوبي وبناء محطة “سيريك” للطاقة وغيرها. ومن غير المرجح أن الكرملين يريد ضياع كل هذه الاستثمارات بسبب القصف الأميركي الإسرائيلي.

السيناريو المثالي لموسكو هو مفاوضات لا نهاية لها بين واشنطن وطهران من دون اتفاق، وهذا السيناريو لم يعد قابلاً للتحقق اليوم.

ومن المهم الإشارة إلى أن روسيا لديها فرصة ضئيلة للتأثير جدياً في مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة ثانية. فإذا توصل الطرفان إلى اتفاق، فسيتم ذلك سواء أرادت روسيا أم لا. لذلك، وكما خلال عام 2015، يبدو النهج العملي كالتالي… إذا كان الاتفاق حتمياً فمن الأفضل أن تصبح موسكو طرفاً فيه بدلاً من تخريب العملية عبثاً. لذلك، ترى روسيا في الوساطة أو حتى المشاركة في الاتفاق احتمالاً واعداً للغاية ضمن أية مفاوضات مقبلة بخصوص البرنامج النووي الإيراني.

وبالنسبة إلى ترمب قبل تشدده وجنوحه نحو المشاركة في الحرب، بدا الاتفاق مع إيران بوساطة بوتين أكثر واقعية من الاتفاق بين بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وأظهرت المحادثات الأخيرة بين موسكو وكييف في إسطنبول مدى بعد الطرفين عن أية تسوية تذكر، لذلك كان من المفترض أن يتحول تركيز الحوار بين واشنطن وموسكو من القضية الأوكرانية إلى الشرق الأوسط. وثمة فرصة حقيقية للنجاح والتوصل إلى اتفاق طال انتظاره، مما يعني أنه يستحق جهود الرئيس الأميركي.

موسكو لا تتجاوز “الدعم السياسي”

بعد بدء الضربات العسكرية الإسرائيلية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، والتي أسفرت عن مقتل جنرالات وعلماء إيرانيين كبار، وهجمات طهران الانتقامية بالطائرات المسيرة والصواريخ، أجرى الرئيس الروسي محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عارضاً المساعدة في تهدئة الصراع.

وفي محادثته مع بزشكيان دان بوتين بخجل تصرفات إسرائيل، وأعرب عن تعازيه في القتلى الذين سقطوا. وقال إن “الجانب الروسي يدعم بالكامل الجهود الرامية إلى حل الوضع حول البرنامج النووي الإيراني سلمياً، وطرح مبادرات محددة تهدف إلى إيجاد اتفاقات مقبولة للطرفين”.

ودانت وزارة الخارجية الروسية الضربات الإسرائيلية على إيران ووصفتها بأنها “غير مقبولة قطعياً”، وحذرت من أن “مسؤولية هذا الاستفزاز تقع على عاتق القيادة الإسرائيلية”. ودعت الجانبين إلى “ضبط النفس لمنع تصعيد التوترات وانزلاق المنطقة إلى حرب شاملة”.

وبينما دانت موسكو كلامياً تصرفات تل أبيب، فإنها لم تقدم لطهران سوى دعم سياسي خجول، على رغم وجود اتفاق “شراكة استراتيجية” بين البلدين.

وجاء في بيان الكرملين أنه “جرى الاتفاق على أن الجانب الروسي سيواصل الاتصالات الوثيقة مع قيادات كل من إيران وإسرائيل، بهدف حل الوضع الحالي الذي يحمل عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها”.

الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران

توترت العلاقات بين موسكو وطهران خلال الحرب الباردة، عندما كان الشاه محمد رضا بهلوي حليفاً للولايات المتحدة. وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، وصف آية الله الخميني الولايات المتحدة بـ”الشيطان الأكبر” والاتحاد السوفياتي بـ”الشيطان الأصغر”.

لكن منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، شهدت العلاقات الروسية-الإيرانية تطوراً سريعاً. وأصبحت موسكو شريكاً تجارياً مهماً لإيران ومورداً رئيساً للأسلحة والتكنولوجيا، وهو أمر بالغ الأهمية لا سيما في ظل العقوبات الدولية.

وقامت موسكو ببناء أول محطة للطاقة النووية داخل إيران قرب مدينة بوشهر، والتي بدأت العمل عام 2013.

وكانت روسيا أحد الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 بين إيران وست قوى نووية، والذي عرض على طهران تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على برنامجها النووي وزيادة الرقابة الدولية عليه.

وقدمت موسكو الدعم السياسي لطهران عندما انسحبت الولايات المتحدة بصورة أحادية من الاتفاق النووي، خلال ولاية دونالد ترمب الأولى.

عندما اندلعت الحرب الأهلية داخل سوريا عام 2011، اجتمعت روسيا وإيران لدعم حكومة بشار الأسد، لكنهما فشلتا في منع سقوط نظامه خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024 بعد هجوم خاطف شنته المعارضة.

ويوم الثلاثاء الثامن من أبريل (نيسان) الماضي، صادق مجلس النواب الروسي (الدوما) على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، التي وقعها رئيسا البلدين خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، لتحل محل اتفاق عام 2001 الذي مُدد منذ ذلك الحين.

وبدأ العمل على المعاهدة قبل أربعة أعوام. وحدث التقارب الحقيقي بين إيران وروسيا، بما في ذلك المجال العسكري، على خلفية حرب روسيا وأوكرانيا، التي استخدمت فيها طائرات إيرانية من دون طيار بنشاط. ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الوثيقة التي تتكون من 47 مادة، عشية عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وكان يجري التحضير للتصديق على المعاهدة على خلفية تهديدات الرئيس الأميركي ترمب بقصف طهران، وفي هذا السياق يولي المحللون اهتماماً وثيقاً للجانب العسكري من الوثيقة.

التعاون العسكري الذي تتضمنه المعاهدة الجديدة

خلال عام 2024، وقعت روسيا اتفاق شراكة استراتيجية مماثلة مع كوريا الشمالية، وفيها التزم الطرفان صراحة بتقديم “المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات بكل الوسائل المتاحة” فوراً في حال وقوع هجوم على إحدى الدولتين. وبعد ذلك، شارك جنود من جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في الحرب ضد أوكرانيا، ومن المرجح أن موسكو وبيونغ يانغ بدأتا بتزويد بعضهما بعضاً بالأسلحة، إذ لاحظ الغرب نشوء تحالف عسكري بين البلدين.

بعد نشر نص الاتفاق مع إيران، اتضح أن موسكو وطهران لم تصلا إلى هذا الحد في تعاونهما. وتنص الوثيقة على أنه في حال تعرض أي من الدولتين لهجوم يلتزم الشريك فقط بعدم تقديم “أية مساعدة عسكرية أو غيرها للمعتدي من شأنها أن تسهم في استمرار العدوان”، والمساعدة في “تسوية أية خلافات قد تنشأ على أساس ميثاق الأمم المتحدة وغيره من قواعد القانون الدولي المعمول بها”.

وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عشية توقيع الوثيقة خلال يناير الماضي، أن الاتفاق لا ينص على تشكيل تحالف عسكري. ولا يعني الاتفاق اعتراف إيران بضم شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا الاتحادية. وكما ذكرت وسائل إعلام إيرانية، لم تتخذ طهران هذه الخطوة بسبب نزاعاتها الإقليمية على جزر في الخليج العربي، والتي تطالب بها الإمارات.

وفي الواقع، لم يغير هذا البند شيئاً في التعاون العسكري بين البلدين، إذ استخدمت الصياغة نفسها في الاتفاق الموقع عام 2001. ويقتصر التعاون العسكري في نسخته الجديدة على “تبادل الوفود العسكرية والخبراء” وزيارة السفن والزوارق الحربية للموانئ وتدريب العسكريين والمشاركة في المعارض ومكافحة القرصنة، و”التعاون الوثيق في إجراء التدريبات العسكرية المشتركة”.

تشير الصياغة العامة نسبياً للاتفاق المبرم إلى أن الدولتين غير مستعدتين للدفاع عن بعضها بعضاً. ويقول المستشرق والخبير في شؤون إيران والإسلام السياسي والسياسة الخارجية الروسية داخل الشرق الأوسط، نيكيتا سماجين “إيران لا ترغب في التضحية بجنودها حتى من أجل مصالحها الخاصة، مفضلة القتال على أيدي قوى بالوكالة وحلفائها. ماذا عسانا أن نقول عن مصالح روسيا؟”. ويتابع سماجين “ناهيك بأن الكرملين غير مستعد بوضوح للدفاع عن إيران في حال تعرضها لهجوم من إسرائيل أو الولايات المتحدة”.

مسألة الاتفاق النووي

من القضايا الرئيسة الأخرى التي تثير قلق إسرائيل وأميركا وبعض الدول العربية والأوروبية، البرنامج النووي الإيراني والشكوك المتنامية حول سعي طهران لتطوير أسلحة نووية تحت ستار تطوير الطاقة النووية السلمية. ويسمح الاتفاق الذي أبرمته إيران مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا وروسيا والصين عام 2015 لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المئة فقط لأغراض الطاقة النووية المدنية. في المقابل، تلتزم أطراف الاتفاق رفع العقوبات المفروضة على طهران تدريجاً. إلا أن الولايات المتحدة وفي ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى انسحبت من الاتفاق من جانب واحد عام 2018، وأعادت فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وشددتها، ورداً على ذلك بدأت طهران بالتخلي تدريجاً عن التزاماتها.

في أسوأ الأحوال، تشكك السلطات الأميركية والبريطانية بأن روسيا تدعم البرنامج النووي الإيراني وتشارك إيران بعض التقنيات ذات الصلة، وفقاً لتصريح الخبيرة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن هانا نوت.

لكن المتخصص الأمني في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية ستيفان مايستر يقول إن روسيا قادرة نظرياً على تسريع تطوير قنبلة ذرية إيرانية، لكنها لا تنوي فعل ذلك لعدم رغبتها في وجود دولة نووية جديدة قرب حدودها.

ويوضح مايستر “موسكو ليست مهتمة حقاً بنقل هذه التقنيات، لأنها قد تتعرض حينها لضغوط شديدة من الصين والهند”. ويذكر المحلل أن روسيا كانت خلال الماضي شريكاً للغرب في هذا الشأن، وكانت شديدة الحذر في شأن انتشار هذه التقنيات.

ومن الواضح تماماً اليوم أن موسكو ترى توجيه ضربة لإيران خطوة غير محسوبة العواقب تماماً، وتفترض أن السيناريو الأساس لتدمير القوات الإسرائيلية منشأتي نطنز وفوردو النوويتين بدعم من الولايات المتحدة، يهدد بانتشار إشعاع نووي قد يهدد الأراضي الروسية وكذلك إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب في المنطقة والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط. وأن الولايات المتحدة تخاطر بالانجرار إلى حملة طويلة من تبادل الضربات مع الجانب الإيراني.

بالطبع، إن إمكانات الجيش الأميركي وحلفائه تفوق قدرات طهران بأضعاف مضاعفة، لكن مثال اليمن يثبت مجدداً أن عدواً ضعيفاً نسبياً قادر على خلق صعوبات، وخلال الوقت نفسه تتفوق القوة العسكرية لطهران بصورة كبيرة على قوات الحوثيين اليمنيين.

أخيراً، ليس هناك يقين تام بأن الاعتماد على الضغط القسري سينجح، حتى لو شاركت الولايات المتحدة في العملية فإن تدمير المنشآت النووية الإيرانية غير مضمون، لأنها مدفونة تحت الأرض. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يكون الموقع الفعلي للبنية التحتية أعمق مما كان يعتقد سابقاً. ففي مطلع يونيو الماضي صرح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بأن أكثر منشآت البرنامج النووي الإيراني حساسية تقع على عمق نصف ميل، أي ما يعادل نحو 800 متر. في حين أفاد خبراء سابقاً بأن هذا الرقم يراوح ما بين 80 و90 متراً فحسب.

الطرف الوحيد الذي يصر على الخيار العسكري هو إسرائيل ممثلة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويشير نهجه المغامر إلى أنه من الأفضل ضمان إيران خالية من الأسلحة النووية خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة (بتدمير البنية التحتية الأرضية للمنشآت النووية) بدلاً من التفاوض بلا نهاية حول البرنامج النووي.

ليس لموسكو غير التزام الحياد

عرض الكرملين التوسط لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران ربما تكون الوقائع العسكرية في الميدان تجاوزته، عدا عن أن إسرائيل نفسها وأوروبا عامة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خاصة يعارضونه.

فالاتحاد الأوروبي مقتنع بأن تعاون موسكو الوثيق مع طهران يمنعها من أن تكون وسيطاً موضوعياً في الحرب بين إيران وإسرائيل، إضافة إلى ذلك صرح ممثل المفوضية الأوروبية أنور العنوني أن “الثقة انعدمت” في روسيا بسبب الحرب داخل أوكرانيا.

ويحذر مدير برنامج الدفاع عن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد جوناثان لورد من أن “مصالح روسيا المشتركة مع إيران تجعلها وسيطاً غير مناسب، وستسعى بلا شك إلى تقويض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط”. ويجادل بأن روسيا باستخدام نفوذها تستطيع نظرياً دفع إيران للتوصل إلى اتفاق، لكن من المرجح أن يستغل الكرملين أي دور له في المفاوضات المحتملة للضغط على الولايات المتحدة.

عندما نتحدث عن المشكلات بين إيران والولايات المتحدة، فمن الواضح أنها لا تعزى إلى غياب الوسطاء. هناك وسطاء دون ذلك، عمان أو سويسرا، اللتان تنقل عبرهما الاتفاقات. وهناك مجموعة كاملة من الدول المهتمة بإنهاء الحرب وروسيا من بينها، ولكن حتى من دونها هناك من يريدها. والمشكلة الرئيسة تكمن ليس في قلة الوسطاء الذين يعرضون خدماتهم، لكن في غياب أسس التسوية السلمية ضمن هذا الصراع الوجودي، ومن غير المرجح أن تتمكن روسيا في هذا الصدد من تغيير أي شيء جذرياً.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن روسيا ستتنحى جانباً، ولن تتمكن من تحييد نفسها من تأثير الهجمات المتوالية ضد إيران. فأكثر ما يمكن لموسكو فعله خلال الوقت الراهن هو ضمان حيادها، والاستفادة من هذا من أجل المساومة مع الولايات المتحدة لقبض مقابل “هذا الحياد الذي تجد نفسها مجبرة عليه وليست بطلة”، بحسب متابعين.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات