الأحد, يونيو 15, 2025

إيران وحدها

« أم تي آي نيوز » كتب : محمد العنبري

ظلت إيران لعقود تمضي في استراتيجيتها التوسعية بالاعتماد على وكلاء محليين في دول المنطقة تغذيهم بالعقيدة والسلاح والمال ثم تتركهم يشتبكون على خطوط النار بينما تبقى هي في موقع القائد من الخلف تمدّ الجبهات ببيانات النصر وتحصّن نفسها خلف الجغرافيا والتوازنات.

من العراق إلى سوريا ومن لبنان إلى اليمن مرورا بالأفغان الذين جندوا في “لواء فاطميون” كانت طهران تدير صراعات إقليمية بيد غيرها دون أن تجرؤ القوى الكبرى حينها على جرّها مباشرة إلى ميدان القتال ومع كل معركة تخوضها أذرعها كانت تصدر خطاب “المظلومية والقداسة” وتجني في المقابل مكاسب سياسية أو تفاوضية تُسعف بها مشروعها النووي أو تبتز بها الغرب.

لكن اللعبة تغيّرت لقد انتهى زمن الحروب بالوكالة أو على الأقل لم تعد صيغتها السابقة قابلة للحياة تفككت بعض الأذرع وتراجعت قدرات أخرى وتكشّفت هشاشة العقيدة التي بنيت عليها تلك الجماعات حين اصطدمت بطوفان الغضب الشعبي أو استنزفت في حروب لا نهاية لها باتت الأجنحة منهكة والواجهات محترقة والغطاء الإقليمي والدولي يتلاشى فأصبح على رأس الأفعى أن يطلّ.

إننا اليوم أمام مشهد فارق إيران تجبر على أن تحارب وحدها بعدما ضربت منظومتها “المتمددة” في الخاصرة اللبنانية واليمنية والعراقية لم تنفعها صواريخ الحوثيين ولا صمود حزب الله ولا شعارات “المقاومة والممانعة” التي تكسّرت على أبواب غزة ورفح.

نظرية خامنئي… وهشاشة الاستراتيجية لطالما ردد المرشد الإيراني علي خامنئي مقولته الشهيرة “إذا أردت ألا تنهزم فلا تحارب في أرضك” كتبرير عقائدي واستراتيجي لتصدير المعارك إلى أراضي الجيران وهي جملة تنطوي على رؤية شديدة البراغماتية لكنها في جوهرها فخ قاتل لأنها تؤسس لفكرة حماية “الداخل” الإيراني عبر الاحتماء بمعاناة الآخرين وتصدير الدماء خارج الحدود.

لقد اعتقد خامنئي ومنظروه أن الحفاظ على أمن إيران القومي يقتضي إشعال النار في محيطها حتى تحترق كل الساحات ما عدا طهران لكنه نسي أو تناسى أن الحروب المتراكمة مهما طال أمدها خارج الحدود لا بد أن تعود إلى قلب الدولة الأم في لحظة انكشاف أو حساب.

وها هي اللحظة قد حانت بات على النظام الإيراني اليوم أن يواجه خصومه من دون قفازات وأن يتحمل تبعات ما زرعه في المنطقة لا تكفي بيانات التهديد ولا تنفع “المسيّرات” التي لم تغير مجرى المعارك ولا تسعف الخطابات المكرورة أمام شعب بدأ يتململ من انهيار الاقتصاد وارتفاع البطالة وانكشاف الدولة على صراعات مرهقة.

من النصر عبر الآخرين إلى الهزيمة أمام الذات

إذا أرادت إيران أن تنجو فعليها أن تختار إما أن تواجه الحقيقة وتكف عن اعتبار دول المنطقة “ميدان تجارب” لعقائدها الثورية أو أن تقود شعبها بنفسها إلى واحدة من نهايتين نصرٍ يتحمل كلفته شعبها أو هزيمة تقع على أرضها لا أرض غيرها.

لم يعد مقبولا أخلاقيا ولا سياسيا أن يتحول العرب والمسلمون إلى “وقود احتياطي” لمعارك تقررها طهران وتخوضها بغيرها ولم يعد مقبولا أن تقتل شعوب بأكملها وتدمر دول وتشعل الفتن الطائفية بحجة مقاومة “الاستكبار العالمي” بينما يبقى القرار الحقيقي في يد الحرس الثوري الإيراني!

ما يحدث اليوم هو ارتداد طبيعي لسياسة الاستخدام والانفصال استخدمت إيران أدواتها حتى الاستنزاف ولما جاء وقت الحسم وجدت نفسها وحيدة لا أحد مستعد للموت بدلًا عنها لا أحد يملك النفس الطويل لمواجهة حروب لم تعد تقنع أحدا.

لقد انتهى زمن الإمبراطوريات التي تحارب بـ”المرتزقة العقائديين” وبدأ زمن الشعوب التي ترفض أن تكون مطيةً لأوهام الملالي.

نعم على إيران اليوم أن تواجه قدرها أن تنزل إلى الميدان بكامل ثقلها لا أن تختبئ وراء عباءات حزب الله أو جماعة الحوثي أو ميليشيات الحشد وعليها أن تفهم ولو متأخرة أن الأمن لا يتحقق بتصدير الموت وإنما ببناء الثقة مع الجيران وأن الأرض التي لا تقاتَل من أجلها أبناءها لا تستحق.

Mass Image Compressor Compressed this image. https://sourceforge.net/projects/icompress/ with Quality:80
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات