« أم تي آي نيوز » كتب : مصطفى محمود
أكثر من ستين يوما من القصف الأمريكي على اليمن، ولم يُقتل حتى الآن قائدٌ واحد من الصف الأول في جماعة الحوثي. في المقابل، وفي عملية خاطفة لم تتجاوز الساعة، تمكّنت إسرائيل – أو الولايات المتحدة بالتنسيق معها – من اغتيال عدد من قادة الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني في قلب طهران أو على حدود سوريا والعراق.
السؤال البسيط الذي يطرحه الناس في اليمن هو:
هل تعجز أمريكا عن قتل قادة الحوثيين، أم أنها لا تريد ذلك أصلاً؟.. هذا سؤال سياسي كبير، لأنه لا يتعلّق فقط بالقوة، بل بـ النية.
- أمريكا تستطيع، لكنها لا تفعل
لدى الولايات المتحدة أقمار صناعية وأجهزة تجسس وطائرات بدون طيار يمكنها تتبّع شخص واحد من الجو حتى وهو يختبئ داخل سيارة محصنة. وهي قد استخدمت هذه القدرات في اغتيال شخصيات بالغة الحماية مثل قاسم سليماني، أو أسامة بن لادن، أو حتى أيمن الظواهري داخل شقّة سرية في كابل.، إذن: لو أرادت قتل عبد الملك الحوثي، لفعلت… ولو أرادت شلّ حركة الحوثيين، لقصفت جهازهم الأمني، وأذرعهم العقائدية، ومراكز تدريبهم الأساسية… لكن هذا لم يحدث. فما الذي يحدث إذن؟
- ما الهدف من القصف إذًن؟
ما يحدث هو ما يمكن تسميته بـ”القصف الترويضين”، لا القصف القاتل.. قصفٌ يهدف إلى الضغط على الحوثي، لا لإسقاطه، بل لضبط سلوكه.
الرسالة الأمريكية للحوثيين تبدو كالآتي:
“نحن لن نسمح لكم بأن تتمددوا أو تتطاولوا على مصالحنا، لكننا لن نسقطكم أيضًا. نريدكم أضعف، لا منتهين.”. الهدف الامريكي ؟
إعادة ضبط التوازن، لا قلب الطاولة
- الدرس من سوريا والعراق
في سوريا، استخدمت أمريكا القوة في مناسبات كثيرة، لكنها لم تسعَ بجدّية لإسقاط نظام الأسد… وفي العراق، تحرّكت بسرعة ضد تنظيم الدولة داعش ، لكن لم تكن لها اليد العليا ضد المليشيات الموالية لإيران، إلا عندما تجاوزت الخطوط الحمراء.
كل هذه الحالات تُظهر أن أمريكا لا تُسقط الكيانات المسلحة والا الانظمة إلا عندما تقرّر أن غيابها أفضل من بقائها.
أما في حالة الحوثي، فربما ترى أمريكا أن سقوطه يخلق فراغًا مخيفًا، أو فوضى أكبر، أو يُعطي نفوذًا لطرف آخر غير مرغوب. ولهذا، تُبقي عليه في حالة ضعف، لا في حالة انهيار.
- لماذا لم يُقتل أي قيادي حوثي؟
لأن مراكز القيادة الحقيقية لم تُستهدف.
لأن الاستخبارات الأمريكية، إن أرادت، تعرف مواقع اجتماعات القيادات. تعرف من ينام أين، ومن يتحرّك متى.
القيادات الحوثية ليست محصّنة من الناحية التقنية. لكنها محميّة بالإرادة السياسية .
والسؤال الحقيقي هو: من يحميهم ولماذا؟
- هل هذا مجرد تواطؤ؟
التواطؤ قد يكون ناعمًا وخفيًا. وليس شرطًا أن يكون نتيجة صفقة مباشرة.
بل يكفي أن تكون هناك “مصلحة مشتركة مؤقتة” تجعل الطرفين (أمريكا والحوثيين) يتجنبان التصادم الكامل.
الحوثي بالنسبة لأمريكا ورقه رابحه لإن يكون “أداة ضغط” على السعودية.
ويمكن أن يكون ورقة مساومة على طاولة مفاوضات أكبر تتعلق بالمنطقة كلها.
لهذا، فإن قتله قد يُغلق بابًا كان مفيدًا في الضغط، أو المساومة، أو التخويف.
- متى يصبح القصف خصومه
؟ليس كل قصف يعني خصومه
القصف قد يكون شكليًا، إعلاميًا، سياسيًا، وقد يكون حتى لتجميل صورة أمريكا في نظر العرب أو اليمنيين:
“انظروا، نحن نضرب الحوثي!”
لكن الضرب الحقيقي – الذي يقلب الموازين – لا يُقاس بعدد الصواريخ، بل بنتيجتها.
هل شلّت القيادة؟ هل فقدت الجماعة توازنها؟ هل تهتزّ أجهزتها الداخلية؟
إذا لم يحدث شيء من ذلك، فالقصف ليس مقاومة، بل عرضٌ عسكري بلا مضمون.
- خلاصة القول: علينا أن ننتبه
القصف الأمريكي لا يسعى لإسقاط الحوثيين، بل لتأديبهم.
أمريكا لا تفعل كل ما تستطيع، بل تفعل ما يخدم مصالحها.
حماية قيادات الحوثي من القتل ليست مسألة عجز، بل مسألة قرار سياسي.
رسالة أخيرة
إن الجماعات المسلحة لا تُهزم بالصواريخ فقط، بل بالبديل الوطني الحقيقي.
وإن أخطر ما يمكن أن نفعله اليوم هو أن نصدّق أن التحرير سيأتي من الخارج، بينما الرأس الداخلي للقاتل لا يزال حيًّا.
القصف لا يحرر، إذا لم يكن هدفه الحرية. والعدو لا يسقط، إذا كان النظام الدولي لا يزال يحتاجه .
