الخميس, يونيو 12, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابقوى الشمال بين الوطنية المزيفة والدين كغطاءً للهيمنة والإقصاء

قوى الشمال بين الوطنية المزيفة والدين كغطاءً للهيمنة والإقصاء

« أم تي آي نيوز » كتب : د. أمين العلياني

في دهاليز السياسة المعتمة، حيث تتداخل الأوراق وتتشابك المصالح، تبرز قضية شائكة تختزل مأساة الوطن العربي برمته. تلك المأساو حين تختزلها معادلة الوطنية المغشوشة التي يحكمها منطق ديني إقصائي، فتتحول المفاهيم إلى أدوات طيّعة في يد القوى المهيمنة؛ من هنا يمكن لنا أن نتساءل، هل الوطنية حقاً تلك القميص الفضفاض الذي يتسع للخونة والمتطرفين ويضيق على أصحاب الحقوق المشروعة؟.
ولطالما روّج الخطاب الشمالي لأسطورة الوحدة المقدسة، مستنداً إلى فتاوى التكفير والردة، وكأن الجغرافيا تُرسم بأقلام الفقهاء لا بإرادة الشعبين من منطلق وطني وحقوقي وسياسي، وهذا ما جُعل الجنوبيون مرتدين في نظر قوى الشمال لمجرد مطالبتهم بحقوقهم السياسية والحقوقية والوطنية، ووصموهم بـالانفصاليين؛ ليس لشيء وإنما لأنهم رفضوا الهيمنة على أرضهم وثرواتهم وتغيير حتى معتقدهم وانتهاك أعراضهم بحروبهم الإجرامية وإبادتهم الجماعية، وبهذا صارت النظرة الدينية لمفهوم الوحدة ليست على لسان الفقهاء ورجال الدين بل حتى لسان الساسة والقوى العسكرية من أمثال الجنرال العجوز علي محسن الذي ظهر ذات يوم يردد : لا وحدة بالإكراه ولا انفصال بالقوة، وجاء د. رشاد العليمي في أكثر من خطاب يؤكد المقولة نفسها من منطلق ديني لا منطلق وطني: لا وحدة بالقوة ولا انفصال بالقوة. فأين الوطنية الحقيقية من هذه الألاعيب؟.
وتظل معايير الوطنية مزدوجة لدى قوى الشمال المختلفة؛ فالتوبة هي البديل لمفهوم المساءلة القانونية لمن أخل بمفهوم الوطنية والشرف الوطني فالتوبة من وجهة نظرهم تغسل كل خيانة وكل جريمة وكل ارتازق! .
والأعجب في هذه المسرحية الهزلية أن الخيانة العظمى تصبح قابلة للغفران إذا جاءت تحت راية التوبة الدينية! فها هم قادة يعودون الى الحوثي تحت مفهومية التوبة والعودة إلى الوطن وفي المقابل هناك من يخرجون من حضن الحوثي إلى حضن الشرعية تحت مفهومية التوبة الإخوة والقبلية لا مفهومية الوطن والوطنية، وليس من باب المساءلة القانونية. بينما يُنظر إلى أي صوت جنوبي يطالب بحقوقه السياسية والوطنية على أنه خارج عن الملة، فأي وطنية هذه التي تتسع للخونة منهم وتضيق على أصحاب الحق المشروع؟.
والتناقض الصارخ أنه حتى القوى والنخب التي تتدعي الليبرالية والعلمانية واليسارية فهي ليبرالية وعلمانية ويسارية في المظهر وسلالية إيديولوجية في الجوهر، والمفارقة الكبرى أن التيارات الشمالية ترفع شعارات الليبرالية والعلمانية، لكنها في العمق لا تزال أسيرة الأيديولوجيا السلالية والإخوانية الارهاربية، فحتى أن القوى الأخرى لم تستطع التحرر من مفهوم الوطنية المشوبة بالطائفية، سواءً الشيعية أو السنية، فهل يعقل أن تظل الوطنية رهينة الصراعات المذهبية في القرن الحادي والعشرين؟ وإلى متى يظل الجنوب رهينة هذا الوعي القاتل الذي لا يؤمن بقبوله الا بالتوبة ولا يعرف له بأي حق إلا وفق مسارات الدين والخروج في مطالبة حقوقه السيادية من انه مرتد ولماذا لا يحترم رأي الشعب في الجنوب بحقه في وفق نظرته إليه بأن الشعب الشمالي مغتصب ومزور لحقوقه ولا يمكن أن ينظر لتلك الحقوق في حدود مفهومية الوطنية والوطن بل دائما ما ينظر إليها من منظور الردة والكفر والتوبة.
إن الوطنية الحقيقية لا تُبنى على إقصاء الآخر، ولا تُقاس بمدى التزامه برؤية دينية ضيقة، فالوطن لمن ينتمي إليه دينًا وثقافة وتراثًا وانتماء وهوية، والدين لله، والحقوق للشعوب، فمتى نتحرر من هذه الأوهام ونبني وطناً لكل شعب على حده يحترم كل شعب غيره ويجسد مبدأ التعايش وحسن الجوار بعيداً عن التكفير والتخوين؟ متى ندرك أن الوحدة لا تُفرض بالفتاوى، بل تُبنى على منح حقوق كل شعب على حده ضريبة ما دفع خلال فشلها خلال 35 عامًا فهل من عقلاء يفهمون حقوق الوطن وبجسدون مفهومية الوطنية القائمة على التعايش والتسامح والسلام وحسن الجوار واحترام حقوق وخيارات الشعب الجنوبي الذي ذاق ويلات التشرد والقتل والاغتيال والإبادة والنهب والاقصاء والتهميش وطمس الهوية؟.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات