« أم تي آي نيوز » العرب
بدأت المعلومات المسرّبة بشأن التهدئة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي بإضاءة الجوانب الغـامضة في القـرار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب بصفة مفاجئة ودون مقدمات، وخصوصا ما يتعلّق بالدوافع التي وقفت خلفه والظروف الذي حفّت به.
وتفضي تلك المعلومات إلى خلاصة مفادها أنّ هذا التطوّر الهامّ نتج عن التقاء ثلاثة عوامل رئيسية هي رغبة الحوثيين في إيجاد مخرج من مواجهتهم الخطرة وغير المتكافئة ضدّ الآلة الحربية الأميركية، وتشجيع حليفتهم إيران لهم على الجنوح إلى التهدئة مع واشنطن، ووجود مصلحة آنية عاجلة لدى الأخيرة في بسط قدر من الهدوء في المنطقة.
وقال أربعة مسؤولين أميركيين إن قبل أيام من اتفاق وقف إطلاق النار المفاجئ بين الولايات المتحدة والحوثيين، بدأت المخابرات الأميركية في رصد مؤشرات على أن الجماعة اليمنية تبحث عن مخرج بعد القصف الأميركي الذي استمر لسبعة أسابيع.
وقال اثنان من المسؤولين إن قادة الحوثيين بدأوا بالتواصل مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من شهر مايو.
وقال أحد المصادر الذي تحدّث لوكالة رويترز بشرط عدم الكشف عن هويته لسرده مناقشات داخلية بشأن المعلومات المخابراتية التي لم تنشر من قبل “بدأنا نتلقى معلومات مخابراتية تفيد بأن الحوثيين لم يعد بإمكانهم التحمل أكثر من ذلك.”
وتوضح مقابلات مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين ومصادر دبلوماسية وخبراء آخرين كيف أن حملة كانت القيادة المركزية للجيش الأميركي تتصور في السابق أنها قد تمتد لمعظم أوقات العام الجاري توقفت فجأة في السادس من مايو بعد اثنين وخمسين يوما، مما سمح للرئيس دونالد ترامب بإعلان الانتصار قبل توجهه إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع.
وأفاد مصدران بأن إيران لعبت دورا مهما في تشجيع الحوثيين المتحالفين معها على التفاوض، وذلك في الوقت الذي تمضي فيه طهران في محادثاتها الخاصة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي الرامية إلى إنهاء العقوبات الأميركية التي تقوضها والحيلولة دون تنفيذ ضربة عسكرية من الولايات المتحدة أو إسرائيل.
لكن الإعلان الفعلي لاتفاق وقف إطلاق النار أبرز مدى سرعة إدارة ترامب في التحرك بناء على المعلومات المخابراتية الأولية للتوصل إلى ما كان يبدو في مارس الماضي أمرا غير وارد على المدى القصير بالنسبة للكثير من الخبراء، وهو إعلان الحوثيين توقفهم عن ضرب السفن الأميركية. وقال مسؤول إسرائيلي ومصدر مطلع إن نهج ترامب غير التقليدي كان من شأنه تجاوز إسرائيل الحليف الوثيق للولايات المتحدة التي لا يشملها الاتفاق والتي لم يتم حتى إبلاغها مسبقا.
ولم يكن الحوثيون وحدهم الذين يشعرون بالضغط. فحملة القصف كانت مكلفة أيضا للولايات المتحدة التي استهلكت ذخائر وخسرت طائرتين وعددا من الطائرات المسيرة.
وقال أحد المسؤولين إن وزير الدفاع بيت هيغسيث بعد أن تلقى المعلومات بشأن الحوثيين في أوائل مايو بادر بعقد سلسلة من الاجتماعات في البيت الأبيض صباح الاثنين، وخلص إلى وجود فرصة سانحة مع المقاتلين المتحالفين مع إيران.
وقال مسؤولان أميركيان إن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي كان يقود بالفعل المفاوضات الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني، كان يعمل من خلال وسطاء عمانيين وأجرى محادثات غير مباشرة مع كبير مفاوضي الحوثيين والمتحدث باسمهم محمد عبدالسلام. وقال أحد المسؤولين إن عبدالسلام كان بدوره على اتصال بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.
وأوضح مسؤول ثان إنه تم التوصل إلى اتفاق إطاري في وقت لاحق من يوم الاثنين. وبحلول يوم الثلاثاء السادس من مايو كان ترامب مستعدا لإعلان الاتفاق، معلنا استسلام الحوثيين. وقال لصحافيين “قالوا من فضلكم توقفوا عن قصفنا مجددا ولن نهاجم سفنكم.”
وعند سؤاله عما ورد في المعلومات الجديدة قال عبدالسلام إنّ الجماعة كانت تتواصل عبر سلطنة عمان فقط، ووافقت على وقف إطلاق النار لأن رد الحوثيين على الولايات المتحدة كان موقفا دفاعيا. وأضاف لرويترز “إذا أوقفوا عدوانهم سنوقف ردنا.”
وكان كل طرف يرى فائدة من إبرام اتفاق. فبالنسبة للحوثيين، قال مسؤولون وخبراء أميركيون إن الاتفاق وفر مخرجا لهم يمكنهم من إعادة بناء صفوفهم وتخفيف الضغط الذي كان سيعرضهم على مدى شهور أو سنوات لخطر إستراتيجي. وأفاد أحد المصادر بأن حلفاء واشنطن في المنطقة أرادوا أيضا الانسحاب. وقال مصدر مطلع “حدث ذلك لأنه إذا تعرض الحوثيون للمزيد من الضغط، فسيكون ردهم بإطلاق النار على بلدان في الإقليم.”
وفي بداية الحملة الأميركية منتصف مارس الماضي كانت جماعة الحوثي تتبنى نبرة تحد، إذ قالت إن مقاتليها سيستهدفون السفن الأميركية في البحر الأحمر ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في هجماتها على اليمن.
وفي ذلك الوقت، بدا أن الولايات المتحدة قد تكون عالقة في مواجهة مكلفة مع جماعة معروفة بقدرتها على الصمود، إذ استنفدت القوات الأميركية ذخائرها بعد توجيه أكثر من 1100 ضربة. وقال هيغسيث إن الولايات المتحدة لن توقف قصفها إلا بعد موافقة الحوثيين على وقف استهداف السفن والطائرات المسيرة الأميركية.
ومنذ تولي ترامب منصبه، أسقط الحوثيون سبع طائرات أميركية مسيرة من طراز أم.كيو – 9 تبلغ قيمة كل منها عشرات الملايين من الدولارات. وفقدت حاملة الطائرات هاري أس ترومان، التي مدد هيغسيث مهمتها في الشرق الأوسط، طائرتين مقاتلتين إحداهما سقطت من على سطح السفينة بعد أن اضطرت السفينة الضخمة إلى اتخاذ منعطف حاد بسبب هجوم حوثي في المنطقة.
وشكك بعض المحللين في حكمة الإستراتيجية الأميركية. فقد تحمل الحوثيون بالفعل ضربات عنيفة لما يقرب من عقد شنها تحالف عسكري بقيادة السعودية، لكنهم تمكنوا من إعادة بناء صفوفهم إلى الحد الذي مكنهم من تهديد البحرية الأميركية وإسرائيل.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين متحدثا عن الظروف التي أفضت إلى التهدئة إن نقطة التحول للحوثيين جاءت في السابع عشر من أبريل الماضي عندما استهدفت الولايات المتحدة ميناء رأس عيسى الذي يسيطر عليه الحوثيون على ساحل البحر الأحمر. وكانت هذه الضربة الأكثر دموية على الإطلاق، إذ أعلنت وزارة الصحة التابعة للحوثيين مقتل أربعة وسبعين شخصا.
وقال المسؤول وهو يصف الجهود المبذولة للضغط على الجماعة اقتصاديا “أضر ذلك بقدرتهم على تنفيذ العمليات وتوليد الإيرادات.”
وعندما طلب من آنا كيلي نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض التعليق، قالت لرويترز إن وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب “صفقة جيدة أخرى لأميركا ولأمننا”، وأضافت “كان الهدف منذ البداية ضمان حرية الملاحة، وتحقق ذلك من خلال استعادة قدرات الردع الأميركية.”
وقال المتحدث باسم البنتاغون كريس ديفاين تعليقا على ما توصلت إليه رويترز إن الحملة العسكرية الأميركية نجحت في إضعاف قدرات الحوثيين و”مهدت الطريق للرئيس للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.”
