« أم تي آي نيوز » كتب : صفوان سلطان
في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف العمليات الجوية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، بعد ثلاثة أشهر من الضربات التي وُصفت بالأعنف منذ بدء التصعيد الحوثي في البحر الأحمر. القرار أثار جملة من الأسئلة حول خلفياته، وتوقيته، ومدى ارتباطه بسياق إقليمي ودولي معقّد، خاصة في ظل تداخل الملفات اليمنية مع النزاع في غزة وتنامي الدور الإيراني.
الحوثي يحتفل بالتراجع الأميركي
اللافت في هذا الإعلان لم يكن القرار ذاته، بل الكيفية التي تعاملت بها ميليشيا الحوثي مع الحدث. فقد سارع ناطقها الرسمي إلى تصوير التفاهم كـ”انتصار استراتيجي”، وأنه جاء نتيجة لصمودهم ومقاومتهم، لا كجزء من حسابات دولية أوسع. هذا السلوك ليس جديداً؛ فالواقع أن الحوثي لا يلتزم بأي اتفاق، بل يتقن استغلال التفاهمات والهدن كوسيلة للهروب من هزائمه العسكرية والسياسية، ليعيد ترتيب صفوفه ثم يعود لمواصلة العدوان.
اتفاقات لستر الهزائم
الحوثي، كعادته، يحوّل أي تراجع أو انكسار ميداني إلى خطاب نصر وهمي، لكن الحقيقة التي لا يستطيع طمسها أن الاتفاق الأخير جاء بعد ضربات موجعة أنهكت قدراته العسكرية، وأربكته سياسياً. ولأن أدواته الدعائية تسيطر على مناطق سيطرته بالقمع والتضليل، فإنه ينجح في تسويق هذه الهزائم على أنها “صمود”، بينما يدفع الشعب اليمني وحده كلفة كل مناورة، وكل خداع سياسي يمارسه.
سلطنة عمان: وسيط إنقاذ لا حياد
لا يمكن تجاهل دور سلطنة عمان في هذا الاتفاق، فهي وإن لعبت دور الوسيط، إلا أن هذا الدور يتكرر دائماً عندما يكون الحوثي في لحظة ضعف. سلطنة عمان، منذ سنوات، فتحت له أبواب التنفس السياسي، واحتضنت وفوده، وسوّقت له كـ”طرف قابل للتفاوض”، متجاهلة حقيقة انقلابه الدموي، وسجله في تقويض كل المساعي الأممية. وهذا ما يطرح علامات استفهام عن جدية الوساطة العمانية وحيادها المفترض.
السعودية: الموقف الثابت والداعم الوحيد
في مقابل هذا المشهد المرتبك دولياً، يبرز الدور السعودي كصوت ثابت وواضح في دعم الدولة اليمنية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
المملكة العربية السعودية، ووسط تخاذل كثير من الأطراف الدولية، تواصل دعمها للشرعية اليمنية دون تردد، وتقدم مساعدات اقتصادية مباشرة عبر دعم البنك المركزي اليمني، وهو ما مكّن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب، ودفع المرتبات في مناطق الشرعية، والحفاظ على الحد الأدنى من استقرار العملة.
هذا الدعم السعودي لم يكن مشروطاً، ولم يكن مؤقتاً، بل يعكس موقفاً استراتيجياً يؤمن بأن استعادة الدولة اليمنية هي جزء من أمن واستقرار المنطقة.
إقصاء الشرعية: خطيئة سياسية
إقصاء الحكومة الشرعية من أي تفاهمات ثنائية، هو سابقة خطيرة تمسّ جوهر السيادة اليمنية. كما أن هذا التجاوز يقوّض مكانة الشرعية في أي عملية سلام قادمة، ويمنح الحوثي وزناً سياسياً لا يستحقه، في وقت لم يُظهر فيه أي التزام بالسلام أو احترام للمواثيق الدولية.
في الختام
إن ما حصل ليس انتصاراً للحوثي، بل نتيجة مباشرة لفشل الضغوط العسكرية في عزل خطره، لكنه أيضاً كشف مرة أخرى طبيعة هذه الجماعة: مراوغة، متلونة، تتقن استثمار اللحظة لتخدع الداخل والخارج.
ومهما حاولت تصوير نفسها كقوة صاعدة، فإن الشعب اليمني – بكل مكوناته – هو وحده من يدفع ثمن هذا الوهم، وهذا ما لن نسمح باستمراره.
وإذا كان المجتمع الدولي جادًا في إنهاء التهديد الحوثي لأمن اليمن والمنطقة والممرات الدولية، فإن الحل لا يمكن أن يظل في دائرة الهدن والمبادرات الرمادية، بل بات واضحًا أن الخلاص من هذا التهديد لن يتحقق إلا بتحرك بري حاسم ينهي الانقلاب، ويستعيد مؤسسات الدولة، ويسحب السلاح الثقيل والمتوسط من يد الميليشيا.
إن ترك الحوثي كقوة مسلحة موازية للدولة، تحت أي مسمى، لن يكون إلا نسخة يمنية مكررة من تجربة “دولة حزب الله” داخل الدولة اللبنانية، وهي تجربة فاشلة ومدمرة، لا يمكن السماح بإعادة إنتاجها على الأرض اليمنية.
