الجمعة, يناير 10, 2025
الرئيسيةتغريدات و آراء و كتابالخبرات الأمنية وحدها لا تكفي لحماية أحمد الشرع

الخبرات الأمنية وحدها لا تكفي لحماية أحمد الشرع

أم تي آي نيوز » كتب : سالم الكتبي

لا أناقش هنا سيناريو اغتيال أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة من باب التمني ولا إثارة الجدل، ولا حتى بناء التوقعات، ولكن من باب الاستغراب مما قاله الشرع نفسه رداً على سؤال مذيع قناة “العربية” طاهر بركة الذي سأله خلال المقابلة الشخصية الشهيرة التي أجراها معه مؤخراً حول عدم وجود إجراءات تأمين كافية حوله، ولقاء الإعلاميين معه من دون إجراءات أمنية معتادة مع الشخصيات الكبيرة، حيث قال الشرع: “لا تقلق.. الأمن لعبتنا”!

بمجرد أن قرأت هذه الإجابة قفزت إلى ذهني على الفور وقائع عديدة، بعضها حدث مؤخرا، كان التفوق فيها لمصلحة من يمتلك التكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية الدقيقة، والمسألة هنا لا تتعلق بطرف دون آخر حتى لا يعتقد أحدهم أنني أشكك في قدرات جهات أو أطراف بعينها، فقد تفوقت دولة إسرائيل بشكل كاسح على القدرات الاستخباراتية لإيران وحزب الله واستطاعت اغتيال أبرز قادة “حزب الله” في لبنان، وكذلك فعلت بإسماعيل هنية في عقر دار تحت حماية الحرس الثوري في إيران، والأمر ذاته نجح فيه حزب الله أيضاً حين استهدف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يعني أن الحرب الاستخباراتية تنطوي على كل الاحتمالات ولا شيء مستبعد فيها.

ظهور الشرع بشكل عادي في مرات عديدة وسط الجماهير منذ دخول العاصمة السورية دمشق، قد يستهدف إرسال رسالة بشأن القدرة على السيطرة الأمنية وردع الخصوم والأعداء عن محاولة استهدافه، ولكن هذا كله لا ينفي وجود الخطر، لاسيما في ظل وجود مناطق وعناصر خارج السيطرة حتى الآن، أو لأن فكرة الأمن المطلق ليست موجودة في الواقع بدليل أن دولة متقدمة للغاية في تكنولوجيا التجسس والمراقبة والعمليات الاستخباراتية لم تعد تطمئن لوجود قادتها ومسؤوليها في مناطق معينة داخل البلاد، وهذا أمر بديهي لعلاقة الأمر بكبرياء الدول وهيبتها وصورتها الذهنية.

مقولة “الأمن لعبتنا” ليست سوى رد ذكي على سؤال مفاجئ لم يجد له الشرع ردا إلّا الرجوع إلى خلفيته وخبراته كقائد لهيئة تحرير الشام وليس للإدارة السورية الجديدة

اغتيال القادة والمسؤولين في ظروف ومراحل انتقالية كالتي تمر بها سوريا مسألة مطروحة بل وبديهية لمن يدير الملف الأمني في هذه الحالات، لذلك استغرب شخصياً من الثقة الزائدة في إجابة الشرع واعتبار أن “الأمن لعبتنا”؛ ففكر الميليشيات وما تخططه من عمليات اغتيال، أو حتى فكر الدول حين تحاول اغتيال قادة تنظيمات وميليشيات، يختلف كثيرا عن أي تخطيط لاستهداف رجل بات واجهة لدولة بحكم الأمر الواقع، والأغرب أن ميليشياته لا تمتلك من القدرات التقنية ولا الاستخباراتية ما يؤهلها لتأمينه بشكل دقيق، ولاسيما أن الأمن في معظم الحالات بات يتطلب تعاونا معلوماتيّا على المستوى الدولي بين أجهزة الاستخبارات المختلفة، وقد لا يستطيع أي جهاز استخبارات توفير أمن رئاسي بشكل تام من دون تبادل المعلومات والتعاون مع أجهزة مناظرة إقليميّا ودوليا.

وإذا تحدثنا بشكل أكثر أريحية، فإن بإمكان العديد من أجهزة الاستخبارات في المنطقة اغتيال الشرع بما تمتلك من قدرات تكنولوجية عسكرية، بل إن هناك ميليشيات معارضة تستطيع تنفيذ هذا الأمر لو أرادت ومن ذلك جماعة الحوثي وحزب الله اللبناني، بحكم ما ثبت لديهما من مسيرات متطورة وصواريخ دقيقة التوجيه، فعلى ماذا إذًا يعتمد الشرع في المباهاة بقدرة تنظيمه على توفير الحماية اللازمة له.

لا أحد ينكر تراكم الخبرات لدى مقاتلي “جبهة النصرة”، وما بات يعرف لاحقا بهيئة تحرير الشام، طيلة أكثر من 12 عاما من القتال ضد نظام الأسد، ولكن ما يعرفه هؤلاء أن أمن زعيم ميليشياوي شيء وأمن الساسة والقادة شيء آخر، سواء من حيث احتمالات الاستهداف والأطراف المرشحة للقيام بذلك أو من حيث وسائل تنفيذ العمليات والتكنولوجيا المستخدمة في العمليات. قناعتي أن الأمر لا يعبر عن سذاجة أمنية من الشرع والمسؤولين عن أمنه الشخصي ولكنها ثقة في وجود تفاهمات ومصالح تتقاطع وتتوقف عند وجوده، بحيث يبدو للكل مصلحة في الحفاظ على حياته، ولست هنا بصدد التشكيك في توجهات وارتباطات وعلاقات الرجل، فالسياسة لعبة معقدة ومتشابكة وليس من بين قواعدها في الوقت المعاصر ظهور زعماء الصدفة، فالمصالح الإستراتيجية الكبيرة لأطراف اللعبة أينما كانت تملي دائما التوافق على أبطالها وتوقيتات ظهورهم وربما اختفائهم.

ورغم ما سبق، لا يمكن القول بمأمونية اللعبة، فأينما حلت التوافقات وجد دائما من يناهضها أو من يحيد عنها أو من يريد خلط الأوراق، سواء كان هؤلاء من الدول أو من التنظيمات أو حتى من الأفراد/ القادة المنافسين أو المحتملين أو القادمين ولكنهم يستعجلون، بما يدفع إلى القول بأن مقولة “الأمن لعبتنا” ليست سوى رد ذكي على سؤال مفاجئ لم يجد له الشرع ردا إلّا الرجوع إلى خلفيته وخبراته كقائد لهيئة تحرير الشام وليس للإدارة السورية الجديدة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات