إم تي آي نيوز / RT
عثر صيادون قرب السواحل الإسبانية في أبريل عام 1943 على جثة ضابط بريطاني بحوزته حقيبة مربوطة بخصره وقاموا بانتشالها ونقلها إلى الشاطئ.
باشرت السلطات الإسبانية التي قادها الجنرال فرانكو التحقيق في القضية، ودخلت بسرعة على الخط الاستخبارات الألمانية النازية التي كانت تنشط هناك نتيجة لعلاقات التحالف بين النظامين.
بعد فحص الجثة، توصل الطبيب إلى استنتاج مفاده أن الضابط البريطاني واسمه بحسب الوثائق التي وجدت معه، الرائد ويليام مارتين، لقي مصرعه قبل خمسة أيام بعد أن سقطت الطائرة التي تقله في البحر.
بحوزة الضابط البريطاني تم العثور على رسائل من والده وعروسه وصورة لها وتذاكر إلى مسرح “أمير ويلز”، وإيصال من متجر مجوهرات عن شراء دبل خطوبة.
بريطانيا سارعت إلى الطلب من إسبانيا بعدم فتح الحقيبة وإعادتها على الفور، إلا ان الأوان فات، وقام عملاء الاستخبارات الألمانية بتصوير وثائق ختمت بطابع “سري للغاية” كانت بها، تضمنت معلومات عن غزو وشيك لقوات الحلفاء وجهته سردينيا واليونان، وليس صقلية كما كان يعتقد في السابق.
الزعيم النازي هتلر اعتمادا على تلك الوثائق أمر بنقل القوات من إيطاليا إلى اليونان، حيث احتشدت وانتظرت قوات الحلفاء هناك.
الحقيقة أن الرائد البريطاني ويليام مارتين لم يشتر خاتمي خطوبة على الإطلاق، ولم تكن لديه عروس ولم يزر مسرح أمير ويلز، بل لا وجود للضابط ويليام مارتين نفسه، والأمر ليس إلا عملية كبرى للاستخبارات البريطانية لخداع الألمان.
من كان يعتقد أنه “رائد” بريطاني كان بحسب واحدة من روايتين، متشردا مدمنا على الكحول وتوفى في يناير عام 1943 لتناوله سم الفئران، في حين أن صورة عروسه كانت لموظفة في الاستخبارات البريطانية، ورسائل الغرام التي كانت معه كتبت لصديقة لها، وقد تم نقل جثة الضابط الوهمي بواسطة الغواصة “إتش إم إس سيراف” إلى سواحل إسبانيا وألقيت في البحر قبالة مدينة “هويلفا” يوم 30 أبريل عام 1943.
الباحثان الإسبانيان جيسوس رام أوركريز وإنريكي نيلسن دفعا برواية ثانية عبرا فيها عن اعتقادهما أن الجثة هي لبحار بريطاني لقي مصرعه بعد غرق السفينة “إتش إم إس داشر” قبالة سواحل اسكتلندا في مارس 1943، ما تسبب في مقتل 379 من طاقمها.
عملية الخداع البريطانية تلك أطلق عليها البريطانيون اسم “اللحم المفروم”، وتوصف بأنها من أنجح عمليات التضليل الاستخباراتية، وأن هتلر ابتلع الطعم ونقل قواته بعيدا عن صقلية قبل أن ينفذ الحلفاء عملية السيطرة على الجزيرة في وقت لاحق من عام 1943، الأمر الذي يعتقد أنه أنقذ أرواح آلاف من جنود الحلفاء.
فكرة هذه الخطة كان صاحبها الأدميرال جون جودفري، مدير الاستخبارات البحرية البريطانية وكان عممها في عام 1939 بعد وقت قصير من اندلاع الحرب العالمية الثانية في سياق التكتيكات التي يمكن بواسطتها خداع الألمان.
فكرة الخداع عن طريق جثة ترمى على السواحل رفضت في البداية ووصفت بأنها غير عملية، ثم أعيد النظر بها في عام 1942 مع استعداد الحلفاء لغزو صقلية.
اختيرت إسبانيا مكانا لعملية “اللحم المفروم”، لأن البريطانيين كانوا يستبعدون أن يقوم الأطباء الإسبان بإجراء تشريح شامل للجثة لدواع دينية كاثوليكية، كما ان الجثة ستصل إلى جنود الجنرال فرانكو، الذين كانوا محايدين في الظاهر في الحرب بين الحلفاء والمحور، في حين أن السلطات الإسبانية في ذلك الوقت كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع النازيين وتتعاون معهم بما في ذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
حقيبة الرائد البريطاني الوهمي أعادتها السطات الإسبانية في ذلك الوقت إلى بريطانيا وتأكد الخبراء البريطانيون من أنها فتحت بعلامات خاصة وضعت بها، وزاد اليقين بأن الطعم ابتلع، بعد فك شفرة الاتصالات النازية.
نقل هتلر القوات بعيدا عن صقلية لمواجهة هجوم الحلفاء الذي كان يعتقد أنه سينطلق من اليونان، وحتى بعد هجوم الحلفاء على صقلية في يونيو 1943، لم يسارع إلى إرسال القوات مرة أخرى إلى الجزيرة لاعتقاده أن العملية كانت مناورة للتمويه، وبذلك نجح “اللحم البريطاني المفروم” وقتل في معركة صقلية حوالي 9000 جندي ألماني وإيطالي، علاوة على 117000 أسير ومفقود.