أم تي آي نيوز / النهار العربي / عبد الرحمن أنيس
تشير عقارب الساعة إلى الرابعة عصراً. يدخل أربعة مسلحين إلى المحل التجاري الذي يملكه المواطن أحمد صالح في صنعاء. أدرك المطلوب منه وهو الذي اعتاد على هذا الأمر منذ العام 2015.
أخرج أحمد المبلغ الذي يفرضه الحوثيون عليه منذ سنوات، خمسة ملايين ريال (9400 دولار)، وسلمها لمسلّح منهم، فأعطاه الأخير سنداً مالياً بأنه استلم منه ثلاثة ملايين ريال (لا خمسة ملايين) مقابل مساهمة الاحتفال بذكرى المولد النبوي.
غادر المسلحون المحل التجاري إلى محل آخر، فيما وصلت على هاتف أحمد رسالة نصية قصيرة من شركة “يمن موبايل” تطلب فيها التبرع لصالح “أسر الشهداء” الحوثيين.
إيرادات دون التزامات
لا يلتزم الحوثيون حيال المواطنين في المناطق التي تخضع لسيطرتهم بأيّ مدفوعات. لا يدفعون مرتبات منذ سبع سنوات، ولا يوفرون كهرباء عمومية بعدما فتحوا المجال للشركات التجارية لتزويد خدمة الكهرباء، فيما يبقى السؤال: أين يذهب الحوثيون بالمليارات التي يجنونها من إيرادات الضرائب والجمارك وغيرها؟
حصل الحوثيون على إيرادات جمركية بلغت حوالي 271,935 مليار ريال يمني (500 مليون دولار)، خلال سبعة أشهر فقط من نيسان (أبريل) 2023 إلى 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، جراء وصول 69 سفينة تحمل مليوناً و810 آلاف و498 طناً من المشتقات النفطية، الى ميناء الحديدة – وفقاً لما أورده تقرير لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن – ورغم ذلك فلا يستخدم الحوثيون هذه الإيرادات لدفع رواتب موظفي الخدمة العامة.
عدا ذلك يقوم الحوثيون بتحصيل ضريبة الخمس، ويجمعون الواجبات والزكوات والضرائب والجمارك من دون أن يوجهونها لصالح الخدمات.
الاتصالات… مليارا دولار سنوياً
قبل شهرين أصدرت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التابعة للحكومة اليمنية الشرعية، بياناً وزعته على وسائل الإعلام، أشارت فيه إلى أن أكبر مصادر التمويل لميليشيا الحوثي يأتي من قطاع الاتصالات، مقدرة المبلغ الذي تحصل عليه الميليشيات منه بما يقارب ملياري دولار سنوياً. ولفت البيان إلى أن الميليشيا “استغلت لسنوات بشكل غير قانوني موارد الدولة والإيرادات الكبيرة في قطاع الاتصالات لتمويل أنشطتها الإرهابية”.
وعلاوة على ذلك قال فريق خبراء الأمم المتحدة إن الحوثيين أصدروا توجيهات لبعض الشركات بتخصيص وإيداع واحد في المئة من فواتير الاتصالات في حساب صندوق رعاية أسر قتلى الجماعة المسلحة.
المضاربة بالعملة وأسعار الصرف
تحظر ميليشيا الحوثي تداول الطبعات الجديدة من فئات العملة الوطنية القانونية التي أصدرتها الحكومة الشرعية، ويقوم مسلحوها بعمليات اقتحامات متكررة لمقرات البنوك والمؤسسات المالية والشركات التجارية في مدينة صنعاء ومناطق سيطرتها، لتفتيشها ونهب ومصادرة المبالغ النقدية من الطبعات الجديدة من العملة الوطنية الموجودة، كما تقوم نقاط التفتيش العديدة بنهب ومصادرة أموال المواطنين من الطبعات الجديدة (المتنقلين بين المناطق المحلية) بذريعة اتلافها، لكن ما تقوم به في الحقيقة أمر آخر.
وفقاً لآخر تقرير أصدره البنك المركزي في عدن هذا الشهر، فإن الميليشيات تقوم بعد ذلك باستخدام تلك الأموال النقدية التي تم نهبها من المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية، وتعمل على إبدالها بعملات أجنبية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية والمضاربة في سعر الصرف في السوق.
تقرير البنك المركزي في عدن أشار كذلك إلى قيام ميليشيات الحوثي بالاستحواذ على جزء كبير من المبالغ النقدية للبنوك، عبر فرع البنك المركزي في صنعاء المستولى عليه من قبلهم (مستغلين وجود أغلب المراكز الرئيسية للبنوك في صنعاء)، من خلال إجبار تلك البنوك على سحب السيولة النقدية المتوافرة في خزائن فروعها، ونقلها إلى مراكزها الرئيسية في صنعاء، ثم توريدها لحساباتها في فرع البنك المركزي المسيطر عليه من ميليشيات الحوثي، واستخدامها كأحد مصادر عملية التمويل لأنشطتهم وجبهاتهم القتالية.
كما تستولي الميليشيات – وفقاً لتقرير البنك المركزي اليمني – بطريقة احتيالية على مبالغ بالمليارات على حساب الأشخاص المستفيدين من مبالغ الحوالات الواردة من الخارج بالعملة الأجنبية، سواء المتمثلة في مبالغ المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية المخصصة للفئات والحالات المعدمة، أو من حوالات المغتربين في الخارج إلى أسرهم في الداخل، الواردة من خلال مؤسسات بنكية أو مؤسسات صرافة عبر إجبارهم على استلام مبالغ تلك الحوالات الخارجية بالريال اليمني، بسعر صرف للعملات الأجنبية منخفض وغير عادل.
في سياق متصل كشف تقرير اقتصادي حديث، أصدرته “مبادرة استعادة”، أن “الميليشيا الحوثية عمدت إلى أساليب متعدّدة لإحكام السيطرة على شركات ومنشآت الصرافة وتوظيفها لخدمتها، وذلك بعد تدمير الميليشيا للبنوك”.
ووفقاً للتقرير الاقتصادي فإن الميليشيا أجبرت شركات الصرافة التي كانت قائمة قبل الانقلاب على إجراء معاملاتها المالية بعيداً من أي رقابة دولية أو محلية، وأسندت إليها مهمات مالية، إذ يتم توريد الإتاوات والجبايات وصرف مرتّبات عناصر الميليشيا، وتوزيع المساعدات النقدية لعناصرها وأسر قتلاها وغيرها من المهمات. ويوضح التقرير أن الميليشيا تستخدم شركات الصرافة في صرف الأموال والمخصّصات المالية لقياداتها وجميع منتسبيها، وتجني مئات المليارات من الريالات سنوياً من شركات ومنشآت ومحلات الصرافة في مناطق سيطرتها مقابل الضرائب والزكاة وتجديد التراخيص والرسوم الحكومية.
مصادرة الأراضي والممتلكات والاستيلاء على الشركات
أكثر من 1,7 مليار دولار من قيمة واردات الأموال والشركات والمؤسسات والجمعيات، استولت عليها ميليشيا الحوثي، تحت يافطة “الحارس القضائي”، وفق التقرير الذي أصدرته منظمة سام للحقوق والحريات، التي وثقت إجمالي ما تم الاستيلاء عليه من قيمة الأموال والإيرادات للأصول والعقارات والمنقولات بأكثر من ملياري دولار.
جمع تقرير منظمة سام أسماء أكثر من 38 شركة كبرى ومؤسسة وجامعة ومستشفى، استولى عليها الحارس القضائي، و/ أو يديرها/ صادرها / فرض الحراسة عليها في العاصمة صنعاء وحدها، وتتبع هذه الشركات والمؤسسات عشرات الفروع والمراكز والوحدات في المحافظات الخاضعة لسلطة الجماعة.
منظومة اقتصادية بإشراف الحرس الثوري
الباحث اليمني عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات، تحدث لـ”النهار العربي” قائلاً إن الميليشيات الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء والدولة اليمنية، نوعت مصادر إيراداتها، بينما كانت قبل سيطرتها على صنعاء تعتمد على مصادر مشبوهة مثل تجارة السلاح والممنوعات وتهريب البشر وغسيل الأموال.
ويضيف محمد: “الميليشيات الموالية لإيران لديها قدرة فائقة على التعامل مع مصادر الدخل هذه، لأنها تكون جزءاً من منظومة كبيرة جداً، بنوكاً وشركات وتجاراً ورؤوس أموال موجودة في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي ليست عصابة صغيرة، فمثلاً في مسألة التهريب لا تقوم الميليشيا بالتهريب في اليمن فقط، بل ثمة منظومة متكاملة تشرف على تهريب المخدرات من منطقة بيعها إلى منطقة وصولها”.
ويتابع: “بعدما سيطرت الميليشيا على الدولة أضافت مصدراً آخر وهو إيرادات الدولة مثل الضرائب والزكوات والجمارك والتبرعات، عدا عن نهب أموال وممتلكات وشركات المعارضين لها”.
ويشير الباحث إلى أن الميليشيا “تحقق مصادر دخل تفوق ثلاثة مليارات دولار في السنة، فهي شبه دولة داخل دولة، تمول حروبها من هذه الإيرادات ولا تقوم بالتزاماتها تجاه المواطنين”.
ويلفت إلى أن الميليشيا الحوثية دخلت خط تهريب السلاح حيث يتم تهريبه إلى اليمن عبر السفن الإيرانية ثم بيعه لقوى الصراع في القرن الأفريقي، مختتماً حديثه بالإشارة إلى أن “الحوثي نظم جيداً مصادر تمويله مستفيداً من خبرات المنظومة المالية للحرس الثوري الإيراني”.
مكاتب صرافة منتشرة في الشرق الأوسط
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على شبكة مؤلفة من شخص يمني وثلاثة كيانات مقراتها في اليمن وتركيا مسؤولة عن “تسهيل تدفق التمويل الإيراني” للميليشيا و”أنشطتها المزعزعة للاستقرار”.
وزارة الخزانة الأميركية قالت في بيان لها إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لها أدرج على قائمة عقوباته رئيس جمعية الصرافين في منطقة سيطرة ميليشيا الحوثي في صنعاء نبيل الحظا (ويعرف كذلك بنبيل الحدث) وثلاثة محلات للصرافة في اليمن وتركيا، مؤكدة أن الشبكة حولت ملايين الدولارات إلى ميليشيا الحوثي بتوجيه من سعيد الجمل المدرج على قائمة عقوبات الولايات المتحدة والمنتسب إلى “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني.
الخزانة الأميركية لفتت كذلك إلى أن “شبكة سعيد الجمل” تعتمد على مجموعة من “مكاتب الصرافة المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتسهيل حركة الأموال الإيرانية إلى الشركات المالية المتحالفة مع ميليشيا الحوثي في اليمن”، موضحة أن تحويل هذه الأموال يتم في نهاية المطاف إلى ميليشيا الحوثي أو الشركات التابعة لها الموجودة في جميع أنحاء المنطقة.
عدم جدية دولية
الصحافي اليمني وائل القباطي يرى أن ثمة عدم جدية من الأطراف الدولية في تجفيف مصادر تمويل الحوثيين، رغم الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً والتي وصفها بغير الكافية.
ويضيف القباطي في حديث لـ”النهار العربي” أن “شركات ومؤسسات الاتصالات الدولية لا تزال تتعامل مع الميليشيات الحوثية والكيانات غير الشرعية الخاضعة لسيطرتها، وقس على ذلك باقي القطاعات. ولو كان ثمة جدية من المجتمع الدولي لجُفّفت مصادر تمويل الحوثي وتآكلت من الداخل، لكنه التماهي الذي استفاد منه الحوثيون منذ سنوات وأبقاهم حتى اليوم”.
الكلمات الدالة