كتب : خالد سلمان
إختفى الناطق العسكري بإسم الحوثي من على الشاشة ، وصمتت صواريخ الجماعة عن مهاجمة السفن، وغدا أو يمكن له أن يغدو البحر الأحمر ممراً آمناً لمرور السفن.
هذا مشهد الأيام العشرة الماضية، ولكنه يمكن أن يعود الحوثي لممارسة قرصنته وتهديداته للملاحة الدولية، متى ما رأى في ذلك حاجة تخدم مصالحة ومصالح داعمه الأوحد إيران.
ومع ذلك يظل السؤال عن الأسباب الحقيقية لهذا التراجع، في عدائية الحوثي وفي هذا التوقيت ، ذات صلة مباشرة بالحراك السياسي الدبلوماسي الذي شهده الملف اليمني، وأفضى إلى إتفاقات وتفاهمات منها ماهو معلن ومنها ماهو طي الكتمان ، فالمعلن توقيع الصفقة ذات البنود الأربعة والتي أبرزها التراجع عن قرارات البنك المركزي ، ماشكل نصراً له ولخيار إدارة السياسة بالإبتزاز ، وتحقيق المطالب برفع السلاح في وجه الداخل ، وإشهار مقايضة أمن السعودية مقابل البنك المركزي والنفط وغيرهما.
من المرجح أن تكون لهذه التفاهمات الأخيرة تدخلات أممية إمريكية بريطانية أسهمت في إنجازها، وكانت من شروطها غير المعلنة وقف أو تخفيض التوتر في البحر الأحمر ،مقابل تخفيض معركة الصراع النقدي ، وإنقاذ الحوثي من حبل المشنقة المالية ، التي عطلت قدرته على إدارة المناطق التي يسيطر عليها، بميزانية خاوية ناهيك عن متطلبات المجهود العسكري وأجهزة قمعه المتعددة.
لقد نجح الحوثي في إستثمار الضغط على السعودية، التي بدورها حولت تلك الضغوطات نحو قيادة الشرعية ، الأمر الذي أجبرها أي الشرعية الإنتقال من منطقة الدفاع عن قرارات البنك المركزي ، إلى إدانتها المبطنة ، ووصفها بالشعبوية الضارة بكل الوطن.
إدارة الحوثي لأزماته عبر سياسة التصعيد وجر الجميع إلى حافة الهاوية، ثم التراجع عنها مقابل حفنة مكاسب ، هو ذاته الذي يمكن ان يفسر وقف أو الحد من عملياته في البحر الأحمر، على خلفية وعود قُطِعت له في الشقين المالي والسياسي التفاوضي، ليس أقلها تمكينه من حكم اليمن ، ومع ذلك لايمكن القطع بأن الحوثي لن يعاود نهجه العدائي تجاه الإقتصاد العالمي والممرات المائية، متى مارأى مصلحة في ذلك.
في أجواء التهدئة تلك تعلَّم الحوثي أن لمغامراته فواتيرها المكلفة واجبة السداد ،فليست كلها أرباح خالصة، بل خسائر فادحة ومنها تدمير ميناء الحديدة ،ودخول الإسرائيلي على خط المواجهة بضربات أو جعت الحوثي ،وأشعلت الحرائق في كرامته وعنجهيته ،قبل تجفيف أهم مصدر مالي وهو ميناء الحديدة ، وربما التلويح بإطلاق يد الإسرائيلي وعصاه التأديبية الغليظة والطولى ،هو واحد من أسباب إرتداد الخطاب العسكري التصعيدي الحوثي إلى الخلف ،حيث الجملة الصاخبة الداعية بالموت لإسرائيل وكفى ، والذهاب بدلاً عن عنتريات الحوثي، نحو الإستثمار في السياسة بدلاً عن الحرب ، مع إبقاء السعودية الخاصرة الرخوة، التي يضغط عبرها لإستخلاص المزيد من التنازلات.
التلويح بالاسرائيلي أدب الحوثي وحد من شططه ، نقطة ضعفه المعنوية إنه لم يرد على إسرائيل ،وإن في تقدره لاشيء يعوض هزيمته النفسية، وبعد سقوط شعار الرد المؤلم في عمق الكيان ، فإن معاودة إسرائيل لضرب المدن اليمنية وحصد الرؤوس القيادية الحوثية ، واحدة من أوراق الضغط المنتجة إنكسار معنوياً حوثياً ،حد إعتبار زعيمه عبدالملك شخصية هزلية، وخطاباته مصدر تندر وإستخفاف شعبي ، خطابات بائسة خشبية عديمة النفع والجدية، خالية من الصدق وفائضة عن الحاجة .