أم تي آي نيوز / كتب : د . عيدروس نصر ناصر النقيب
كما كان متوقعاً اكتسح حزب العمال البريطاني الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم أمس الخميس ، الرابع من يوليو 2024م بأغلبية فوق المطلقة حيث حصد 412 مقعداً حتى لحظة كتابة هذا المنشور، من أصل 650 مقعداً هي كل مقاعد مجلس العموم البريطاني ، مقابل 130 مقعداً لحزب المحافظين الذي هيمن على البرلماني البريطاني منذ العام 2011م.
طوال فترة هيمنته على مجلس العموم بدل حزب المحافظين رؤسائه خمس مرات منذ دافيد كاميرون عام 2011، ثم تيريزا ماي، فبوريس جونسون، ثم ليز تراس التي لم تجلس على كرسي رئاسة الحكومة أكثر من 45 يوماً تاركةً الساحة فارغة إلا من راجي سوناك الذي كان قد نافسها على المقعد أثناء ترشيح حزب المحافظين لها، والذي أسدل استار على هذه الحقبة من زعامة المحافظين لبريطانيا.
ربما يقتضي الأمر وقفةً خاصةً لظاهرة الاكتساح الذي حققه حزب العمال، لكن ما يجدر ملاحظته أن هذا الفوز بهذه الأغلبية الساحقة لم يأتِ حباً للعمال، كما يقول بعض الناخبين البريطانيية ، ولكن كرهاً في المحافظين الذين أوصلو الحياة الاقتصادية (المعيشية) للمواطن البريطاني إلى مستوى غير مسبوق من التراجع والتدهور فضلاً عن الإخفاقات المتعددة في السياسات الخارجية والانقياد الأعمي للبيت الأبيض الأمريكي بحماقاته وإخفاقاته وغطرسة قادته ووحشيتهم تجاه العالم أجمع.
كما تعرضت الأوضاع الأمنية في الداخل البريطاني للعدد من الظواهر المستغربة في مجتمع عُرِف بالاستقرار ويقضة رجل الأمان وسلامة المواطن، فانتشرت الجريمة وسادت ظواهر اعتداء رجال شرطة على أفراد من الأقليات، واعتداءات جنسية تعرضت لها بعض النسوة من تلك الأقليات، وكل هذا جعل مؤشر سمعة المحافظين تنحدر نحو السقوط وقد سقطوا، وكما قال رئيسهم بعيد إعلان النتائج الأولية “هناك أخطاء كثيرة وقعنا فيها وعلينا أن نتعلم منها”.
نجاح حزب العمال (المفترض أنه حزب اليسار التقليدي) الذي يتبع سياسات خارجية لم تفلت من القبضة الأمريكية كثيراً ، كما يتذكر الجميع موقف الحزب أثناء قيادة توني بلير له، من العدوان الأمريكي على العراق، والمساهمة فيه، وكذا دعم العدوان الإسرائيلي على غزة، مقابل تأييده اللفظي لحل الدولتين، فضلاً عن العديد من السياسات الداخلية القائمة على الإجراءات الاجتماعية المتحيزة للطبقات المتوسطة والفقيرة من المجتمع البريطاني، يضع الحزب أمام تحديات كبيرة عليه أن يحسب حسابها وإلا فإنه قد يخسر الأغلبية من مؤيديه في أقرب انتخابات قادمة (مبكرة أو دورية).
وكما يرى بعض المحللين أن الحزب قد ورث مجموعة من الحُفر والمطبات التي أعدها له حزب الحافظين خلال العقد والربع من حكمه لبريطانيا، وعليه (أي على حزب العمال) العمل بجهود مضاعفة واستثنائية لردم تلك الحفر وتجاوز تلك لمطبات ، وأهم هذه التحديات إصلاح الوضع الاقتصادي، وتغيير السياسات الاجتماعية التي مارسها حزب المحافظين، ومعالجة مشاكل البطالة وهروب أو هجرة العمالة الماهرة البريطانية، ومعالجة مشكلة الهجرة إلى المملكة، وإصلاح السياسة الخارجية لتعزيز سمعة ومكانة بريطانيا على مستوى العالم بعد التوريطات التي أدخلها فيها حزب المحافظين، خصوصاً في حرب أوكراينا، والوضع في فلسطين، رغم التحيز الكبير الذي ظل يبديه زعيم الحزب السيد كير ستارمر للسياسات العدوانية الإسرائيلية تحت مزاعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
فوز النائبة العمالية البريطانية من أصول جنوبية المحامية ابتسام قاسم صالح محمد الشرفي (Ibtisam Mohammad)، عن إحدى دوائر مدينة شيفيلد يمثل مكسباً كبيراً لحزب العمال أولاً وللأقليات المسلمة والعربية على وجه الخصوص ثانياً ، وللجالية الجنوبية في شيفيلد بشكلٍ أخصَّ، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها نائب بريطاني من أصول عربية (إن لم تخُنّي الذاكرة)، وهذا الفوز بقدر ما يبعث من البهجة والاعتزاز لدى الجالية الجنوبية والعربية والمسلمة، بقدر ما يضع المحامية ابتسام أمام تحديات كبيرة نتمنى لها التوفيق والنجاح في الاضطلاع بها.
وسيكون على المحامية ابتسام الإلمام بمشاكل الناخبين والتواصل المستمر مع أفراد الأقلية التي تراهن عليها، وبذل المزيد من الجهد من أجل خلق الروابط المتينة مع ناخبيها.
وبالنسبة للجالية الجنوبية فإن الكثير من الناشطين الجنوبيين ينتظرون أن تكون ابتسام هي رسولة القضية الجنوبية والشعب الجنوبي أمام البرلمان البريطاني والسلطات البريطانية كافةً ، لتحقيق فهم أعمق لمعنى القضية الجنوبية ومضمونها العادل والمتمثل في حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته الوطنية بحدود 21 مايو 1990م، الدولة التي دمرتها حروب الغزو والعدوان وهيمنة قوى الفساد والاستبداد المستوردة من خارج الجنوب.
فإلف مبروك للمحامية ابتسام مع صادق التمنيات لها التوفيق والسداد في مهماتها الجديدة وتحقيق مزيد من النجاحات.